«الكلاب تعوى والقافلة تسير».. مثل عربى صرف، لكنه فى الواقع مطبَّق لدى عدونا، فنحن غارقون فى النباح، وهو يسير نحو أهدافه. نحن نتشاجر، وهو يقتل ويدمر. نحن نلطم الخدود ونشق الجيوب، وهو يدعى الدفاع عن النفس. قطر تغمز وتلمز على مصر ومصر تهاجم قناة الجزيرة. حسن نصرالله يستصرخ الشعب المصرى ومصر تسميه الحانوتى. سوريا تشجع حماس ومصر والسعودية تشجعان فتح. أما العدو الصهيونى، فقد كان ولا يزال يصب الزيت على النيران العربية، وكلما خفتت زادها اشتعالا. وغرق الإعلام العربى فى تفاهات الشجار بينما كانت آلة الإعلام الصهيونى سلاحا يسابق الصواريخ الفتاكة. ففى الوقت الذى تفرغت فيه معظم وسائل الإعلام العربية لتكريس الانقسام والفرقة والتصارع العربى على فتح وحماس، كل حسب أجندته الإقليمية والدولية. كانت إسرائيل تعد العدة للسيطرة على الإعلام الغربى وتهيئته للتعاطى مع جريمة ذبح الفلسطينيين فى غزة على أنها دفاع عن النفس، وضرورة لضمان أمن مواطنيها، حتى بات الرأى العام الغربى والأمريكى على قناعة تامة بأن إسرائيل ذهبت إلى هذه الحرب مضطرة، لأنها تدافع عن أمن مواطنيها الذين يعيشون فى ذعر شديد بسبب صواريخ حماس، ولأن إسرائيل كانت تتحضر لمذبحة بشرية تفوق الوصف، فقد أنشأت قبل ثمانية أشهر من عدوانها على غزة هيئة للإعلام القومى بهدف شرح وتوضيح مبررات وأهداف الحرب من وجهة نظر صهيونية محكمة. وجندت إسرائيل لهذا الغرض خبراء فى الإعلام وشركات علاقات عامة دولية. وقد استغرق تدريب الفريق الإعلامى عدة أشهر بهدف تهيئة الرأى العام الغربى ووسائل إعلامه للتعاطى بإيجابية صهيونية مع الحرب وتفهم مبرراتها وأسبابها. لذلك تعامل الإعلام الغربى بتبلد شديد مع المذابح التى ارتكبتها إسرائيل فى قطاع غزة. وكانت معظم المحطات الغربية تذيع الأخبار والصور كأنها محطات إسرائيلية مجندة للحرب. ولهذا قال دوف شنعار الأستاذ بجامعة بن جوريون لوكالة فرانس برس: (تعلمنا من تجاربنا السابقة ضرورة استخدام العلاقات العامة ووسائل الاتصال للتوجه إلى الدبلوماسيين لتعريف العالم عن أسباب الحرب) وبهذه الطريقة راحت إسرائيل تخبر العالم، قبل الحرب بأسابيع، أن صبرها بدأ ينفد جراء الاعتداء المتكرر على مواطنيها وألحت كثيرا فى هذا الأمر. وهكذا أصبح الجلاد ضحية يتعاطف معه كثيرون فى البلدان الغربية. ولهذا حولت إسرائيل كل مسؤوليها إلى أبواق إعلامية مدربة. فوزيرة الخارجية تسيبى ليفنى قامت بجولة مع ممثلى 60 دولة فى جنوب إسرائيل فى اليوم الثانى للحرب وقالت لهم: (ننتظر من العالم دعم عملياتنا العسكرية الرامية إلى إعادة الهدوء للإسرائيليين المعرضين لصواريخ حماس). وكانت إسرائيل فى عز التطاحن العربى تعد العدة إعلاميا لهذه المعركة وجهزت المواد المناسبة. فرئيس هيئة الإعلام القومى الصهيونى كشف عن الخطة التى تجعل إسرائيل بعيدة عن الانتقادات الدولية، فقد حضرت الهيئة المواد الإعلامية المناسبة سلفا من خلال المقابلات والرسائل بالتنسيق مع الناطقين باسم الخارجية والجيش ليكون الحديث واحدا. ووزعت وزارة الخارجية بيانا مطولا وكاملا على المتحدثين الإسرائيليين وطالبتهم بالالتزام الحرفى بكل ما فى هذا البيان الذى ركز على تحميل حماس مسؤولية الحرب وجرت جمل محددة على ألسنة المتحدثين مثل: (لسنا أعداء لأهل غزة وصواريخنا تستهدف الإرهابيين فقط.. إسرائيل خرجت من غزة قبل ثلاث سنوات لكن صواريخ حماس لاحقتها وروعت الآمنين.. إسرائيل أدخلت مئات الأطنان من المواد الغذائية إلى غزة..) وهكذا استخدمت إسرائيل الإعلام ليكون سلاحا بتارا ونافذا خصوصا فى أمريكا والغرب. بينما استخدم العرب إعلامهم للسباب والشتائم وتبادل التهم والتحريض على بعضهم البعض. لدرجة أن مصر (الشقيقة الكبرى) أعطت جل وقتها للرد على قطر وخطب السيد حسن نصرالله، وأضاعت جهدها فى الدفاع عن نفسها وتبرئة ساحتها من تهم التواطؤ وتحويل معبر رفح إلى أداة تحارب إلى جانب إسرائيل، فبدت مصر(العظيمة) أقل بقليل من أصغر دولة عربية. وبات العرب على حالهم فى تناحر دائم وإسرائيل على حالها فى نحر الفلسطينيين.