مصر أولاً.. وقبل كل شىء.. مصر ليست الرئيس مبارك ولا حكومة الحزب الوطنى.. مصر أكثر من أعطت القضية الفلسطينية.. هذه حقائق وليست شعارات حاول البعض تناسيها فى خضم أزمة العدوان الغاشم على غزة، سواء فى الداخل الذين استغلوا خلافاتهم مع النظام وخرجوا عن الانتماء لمصر، أو فى الخارج هؤلاء الذين سعوا إلى توريط مصر فى حرب جديدة أو عزلها عن المجتمع العربى وفقدان دورها فى المنطقة. نعم هناك أخطاء حكومية فى إدارة الأزمة جعلت مصر «ملطشة» لدول وجماعات خارجية ليس لها وزن ولا قيمة، ولكن يجب أن ندافع عن بلادنا بدلاً من اتباع مبدأ «ركوب الموجة» للنيل من النظام الحاكم، ولتذهب مصر وشعبها إلى الجحيم. القضية تتلخص فى موقفين لا ثالث لهما.. الحرب أو السلام.. فإذا فتحت مصر المعبر فإنها تخالف الاتفاقية الدولية، كما أنه عليها تحمل دخول أهالى غزة إلى سيناء وهو هدف العدو الإسرائيلى، بعدها ستكون سيناء ميداناً للمعركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. حتى لو سمحت مصر لبعض قيادات الإخوان المسلمين بالدخول من المعبر بعد ذهابهم إلى رفح، فمن يضمن عدم استهداف الإسرائيليين لهم، وهل لو قتلوا لن يخرج المصريون يطالبون بالثأر والحرب.. كل هذه المطالب تمثل إرهاصات حرب بداية من سقوط صاروخ إسرائيلى خطأ على المعبر أو مقتل أحد أفراد الأمن المصرى على الحدود من قبل القوات الإسرائيلية وفى هذه الحالة سنخرج جميعاً لنطالب بالثأر. الانتقادات الداخلية الحادة لسياسات الرئيس مبارك وصلت إلى حد التجاوز فى أحيان كثيرة، أما أن يصل الأمر إلى التشكيك فى وطنية هذا الرجل فإنه أمر غير مقبول، فلا أحد يستطيع أن ينكر على مبارك أنه رجل عسكرى ذاق مرارة الهزيمة وحلاوة النصر، ورفض الطلبات الأمريكية المتكررة بإنشاء قاعدة عسكرية فى مصر، ورفض زيارة إسرائيل طوال تاريخه وكان يمكن للرئيس مبارك أن يعيد السفير المصرى بتل أبيب إلى القاهرة وقد فعلها من قبل، أو يطرد السفير الإسرائيلى من القاهرة كما فعل الرئيس الفنزويلى شافيز، أو يعلن الحرب ووقتها سترتفع شعبية مبارك إلى عنان السماء لكن التاريخ لن يرحمه خاصة أن مصر اختارت الطريق الأصعب وتحملت مسؤوليتها بعيداً عن الخطب الرنانة، ودخلت فى مفاوضات مباشرة مع القوى الدولية وإسرائيل وحماس، بينما لو كانت قد طردت السفير لخرجت من دور الوسيط النزيه وخرجت من دائرة الأزمة نهائياً. إيران لم تفعل شيئاً سوى التأكيد على دعمها المعنوى للمقاومة.. وهو نفس أداء حزب الله الذى خرج «مذعوراً» بعد سقوط 4 صواريخ على شمال إسرائيل لينفى أنه أطلقها.. أما سوريا فاكتفت بالمظاهرات ضد السفارة المصرية بدمشق والقيام بدور الوسيط بين إيران وحماس.. أما قطر فكان كل همها حضور إيران القمة العربية إذا ما عقدت كما رفضت قطر المبادرة المصرية دون أن تقدم بديلاً.. وأعتقد أن قطر غير مؤهلة للقيام بدور فى هذه الأزمة ليس لضعف وزنها فقط ولكن لوجود قواعد عسكرية أمريكية فى أراضيها.. حتى تركيا أطلق رئيس وزرائها تصريحات عنترية دون أى مواقف على الأرض. للأسف التفكك العربى هو سبب هذه الأزمة وليس التخاذل المصرى كما يحاول أن يروج البعض، فالعرب لا يعرفون لعبة تقسيم الأدوار بحيث يكون هناك من يفاوض ومن يقاطع ومن يطلق التصريحات النارية؟ لقد صفق المصريون للشيخ حسن نصر الله فى حرب تموز.. لكنه فقد الكثير من شعبيته فى الأزمة الحالية.. فالرجل اختزل مهمته فى تحريض الشعوب العربية وتحريك جيوشها.. ونسى أو تناسى أن يحرك جيشه نحو إسرائيل.. مرة أخرى مصر أولاً وقبل كل شىء.. ولا عزاء للمترصدين والحنجوريين!