كلما زادت ممارسات إسرائيل عنفاً ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة.. وتصرفات حركة حماس حماقة، بالتوازى مع اندلاع أحداث عنف فى سيناء -أشعر بأن ساعة حسم سيناريو معد سلفاً لمستقبل شبه الجزيرة تقترب، وكلما طالعت ممارسات سياسية وأمنية وإعلامية من جانب حماس، الجار الجديد فى غزة، ومن جانب بعض القيادات المحلية فى سيناء- تزداد القناعة بأن المؤامرة الخارجية لا تنجح فى بلوغ أغراضها دون أوضاع عربية داخلية تسهل وتوفر لها ظروف النجاح.. تماماً مثلما تجد ذلك فى نكسة 1967. خلال الأحداث الأخيرة شعر أبناء سيناء بأن الحكومة المركزية فى القاهرة، وأن أبناء الوادى (الدلتا والصعيد) لا يحبونهم وسلخوهم من النسيج الوطنى ويمارسون حيالهم معاملات تنم عن كراهيتهم ل«بدو سيناء»، فالحكومة تتجاهل مطالب أهالينا فى سيناء فى تملك أراض، فيما يعلن وزير الرى محمود أبوزيد أن الحكومة قررت طرح أراض فى سيناء حول ترعة السلام للبيع أمام المستثمرين.. ويسمع السيناويون منذ 1994 عن مشروعات وضعتها الحكومة لتنمية سيناء لا تنفذ، فيما يرون سواحل سيناء تتحول إلى منتجعات سياحية (مناجم ذهب) يملكها «رجال أعمال» دون عائد حقيقى على سيناء وأهلها، ويطالعون أنباءً عن بيع الحكومة لرجل أعمال أرضاً قيمتها 34 مليار جنيه مجاناً، وعن آخرين من دونه يسعون إلى تحويل سيناء إلى «سبوبة» من خلال إنشاء كيان اقتصادى يستثمر أرض سيناء تحت لافتة حماية الأمن القومى! ويشكو أهالينا فى سيناء من الاستخدام غير المنضبط لإطلاق الرصاص من جانب بعض ضباط الشرطة. زاد الطين بلة بعض التعامل الإعلامى، حيث ملأ بعض الجهلاء الدنيا ضجيجاً بادعاءات كاذبة حول كراهية «بدو سيناء» للمصريين! وخيانتهم لوطنهم وعمالتهم لإسرائيل! أما أخطر رسالة فهى تلك التى أبلغنا بها شخص جاهل عبر منبر إعلامى سعودى وهى أن بدو سيناء قتلوا الجنود المصريين أثناء انسحابهم من سيناء إبان حرب 1967.. هكذا ببساطة برأ إسرائيل من جريمة قتل الأسرى المصريين أثناء العدوان عبر خبر إعلامى عربى بينما كان التليفزيون الإسرائيلى هو الذى قدم العام الماضى الفيلم التسجيلى «روح شاكيد» كدليل إدانة إضافى لقيام وحدة إسرائيلية بقيادة الكولونيل بنيامين إليعازر بقتل الأسرى المصريين. مثل هذه الممارسات تعمق لدى أهالينا فى سيناء يوماً بعد يوم شعوراً بالظلم وهم خط الدفاع الأول عن سيناء، خصوصاً فى المنطقة (ج)، وهم من شكلوا منظمات العمل الفدائى ضد العدو الإسرائيلى بعد 1967، وهم من يعرفهم جيداً أبطال القوات المسلحة، خصوصاً رجال الاستطلاع خلف خطوط العدو، فهم من كانوا يستقبلونهم خلال تنفيذ هؤلاء الأبطال لمهامهم خلال فترة حرب الاستنزاف، وهم من كرمهم المشير الراحل أحمد إسماعيل على بمقر وزارة الدفاع عقب انتصار أكتوبر 1973 تقديراً لبطولاتهم، وملفاتهم لاتزال موجودة لدى الأجهزة المعنية. ثم هكذا ببساطة يتم رسم صورة سوداوية لأهالينا فى سيناء فى الذهنية الوطنية، فيما هم يرون الحكومة تصدر الغاز إلى إسرائيل بأسعار تفضيلية، ويرون سيناء تتحول إلى دجاجة تبيض ذهباً لفئة من رجال الأعمال، فيما يعانون هم من البطالة. تعكس تداعيات هذه الممارسات فشلاً فى السياسة المتبعة حيال سيناء وبعدها عن معالجة جذور الأزمات منذ حوادث طابا ودهب وشرم الشيخ، ورفض أصحابها إجراء مراجعة، ومبعث الشكوك فى هذه الحملة هو ما فى خلفية الأحداث من خطط ومؤامرات خارجية. بعد غزو العراق عام 2003 قدمت إسرائيل للإدارة الأمريكية مشروعاً يقترح توطين الفلسطينيين (فى مصر والشتات) بسيناء حلاً لمعضلة عودة اللاجئين فى التسوية النهائية ولاستيعاب الزيادة السكانية فى قطاع غزة أعلى مناطق العالم كثافة سكانية وأقلها موارد وثروات طبيعية. وليست سياسة إسرائيل بالعدوان المستمر على قطاع غزة سوى محاولة -ضمن أهداف أخرى- للدفع بالشعب الفلسطينى نحو سيناء على غرار ما حدث فى يناير 2008 الذى لم يكن سوى بروفة مسرحية تتعاون حركة حماس فى إجرائها مع إسرائيل، حتى وإن اختلفت أهداف حماس عن إسرائيل فالنتيجة واحدة. وفى العام 2007 أصدرت مجموعة الأزمات الدولية (التى كانت وراء خطة انفصال إقليم كوسوفا عن صربيا) تقريراً بعنوان «مسألة سيناء»، وكلمة مسألة فى السياسة الغربية تستعمل عند التعامل مع الكيانات والأقاليم المعرضة أو المطروحة للتقسيم أو الانفصال عن الدولة الأم، وتحدث التقرير عن شعب سيناء (لاحظ شعب) وأصوله غير المصرية! ومعاناته من ممارسات الحكومة المركزية فى القاهرة. فمن إذن يريد دولة فى سيناء خارج سيادة الدولة المصرية؟.. ومن يريد تنفيذ أجندة إسرائيلية أو دولية فى سيناء؟.. ومن بممارساته يسهل تنفيذ -عمداً أو سهواً- المؤامرة الخارجية كما حدث عام 1967؟.. وهذه المرة بإقصاء أهالينا فى سيناء سلفاً من النسيج الوطنى واتهامهم بأبشع التهم لدفعهم لكراهية الوطن؟.. ومن المسؤول عن تجاهل سيناء فى خطط الدولة للتنمية؟.. بعد الإجابة عن هذه التساؤلات يأتى وقت الحساب. الأوضاع فى سيناء تحتاج إلى تدخل من أجل تنمية حقيقية فى سيناء ممن يعرفون قيمة هذا الوطن وقدسية الأرض، ومن يدفعون ثمن مثل هذه الألعاب الخطرة. كانت «كذبة اضطهاد مسيحيى الشرق» مبرر إعلان بابا الفاتيكان أوربان الثانى عام 1095 الحرب الصليبية على المسلمين للاستيلاء على القدسوفلسطين، وكانت «كذبة حيازة العراق أسلحة دمار شامل» مبرر الرئيس الأمريكى جورج بوش لاحتلال العراق فى 2003، وبينهما كانت «كذبة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» مظلة الزعيم الصهيونى تيودور هيرتذل فى نهاية القرن ال19 للاستيلاء على فلسطين وإقامة دولة إسرائيل على أنقاضها.. وفى كل مرة كان هناك من العرب من يروج لهذه الأكاذيب.. من والى عكا إلى أحمد الجلبى. الكذبة الأخيرة يعاد إنتاجها هذه الأيام فى اتجاه معاكس على حساب مصر هذه المرة، وعنوانها «سيناء أرض بلا شعب» (السيناويون نحو 300 ألف نسمة فقط) لشعب بلا أرض (اللاجئون الفلسطينيون وسكان غزة فى أعلى مناطق العالم كثافة سكانية). ملف سيناء يجب أن يعود إلى من يعرفون.. وكل عام وأنتم بخير. [email protected]