النتيجة الظاهرة للعيان من ردود أفعال الشعب المصرى على المذبحة الإسرائيلية ضد أشقائنا الفلسطينيين فى غزة أنها، أعادت التأكيد على أنه جزء من أمة واحدة وله قومية عربية لا علاقة لها بالتيارات السياسية والدينية المختلفة، وأن لا أمل ولا مستقبل سياسياً لأى جماعة تنكر عروبة المصريين، لكن كانت للمذبحة نتائج غير ظاهرة تحتاج إلى نقاش. لا أدرى إن كنت مصيباً أم مخطئاً فيه: فبالنسبة لما أثير عن تواطؤ مصرى مع إسرائيل للاتفاق على قيامها بضرب حماس استناداً إلى اجتماع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبى ليفنى مع الرئيس مبارك يوم الخميس الماضى وبدء المذبحة ضد غزة يوم السبت، ومقارنة ذلك بما حدث مع الرئيس الراحل أنور السادات واجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين وقيام إسرائيل بتدمير المفاعل الذرى العراقى.. فإنه يستحيل تصديق ذلك، فأولاً كان اجتماع السادات مع بيجين يوم 5 يونيو سنة 1981 فى شرم الشيخ، وكانت لاتزال تحت الاحتلال وهو ما أثار امتعاضاً شديداً فى مصر وإحساساً بالمهانة أن يجتمع رئيسها مع بيجين على أرض مصرية تحتلها بلاده. وليس فى مكان آخر، خاصة أنه كان قد زار القاهرة عام 1979، وتم استقباله رسمياً فى المطار، وكان على رأس مستقبليه شيخ الأزهر وقتها المرحوم الدكتور عبدالرحمن بيصار. الذى أحرجه السادات بأن طلب منه الحضور وإصدار فتوى مؤيدة لمعاهدة السلام، وحضوره الصلاة فى الوادى المقدس بسيناء، حيث كان مقرراً إقامة مجمع الأديان، وبعد الاجتماع بيومين أى فى 7 يونيو قامت إسرائيل بتدمير المفاعل الذرى العراقى أوزيراك فى بغداد، وأعلنت صراحة أنها لن تسمح لأى دولة عربية بامتلاك قدرات نووية، وعلى الفور تم توجيه الاتهامات للسادات بأن اجتماعه مع بيجين كان للاتفاق على ذلك وهو ما نفاه الاثنان، ولم يكن ممكناً تصديق أمر كهذا، فلا توجد دولة تعطى لدولة أخرى سراً عن توقيت عملية عسكرية ستقوم بها ضد دولة ثالثة، ولأن السادات كان سيسرع بإبلاغ صدام حسين حتى لو كانت المخابرات المصرية هى التى حصلت على السر بطريقتها نتيجة علاقته الحسنة معه وقيام مصر ببيع الأسلحة له فى حربه مع إيران.. هذا ظلم للسادات لابد من رفعه عنه، مادام البعض قد أثار الحادث. وهو ما ننفيه أيضاً عن الرئيس مبارك لأنه يصعب تصديقه، فهو الذى وجه الدعوة للوزيرة الإسرائيلية للاجتماع به يوم الخميس، ونشر خبر الدعوة يوم الثلاثاء لبحث تهدئة الأوضاع فى غزة. ويستحيل على أى عاقل تصور أن تأتى ليفنى لتخبره بالهجوم لعدة أسباب، أولها أنها وباقى القادة الإسرائيليين أكدوا أنهم سيقومون بعمليات عسكرية ضد حماس،ستبدأ بالضرب بالطائرات والصواريخ، وقد تتطور إلى الهجوم البرى لإسقاط حكمها، وثانيها أنه لو كان أمر الهجوم سراً مع مصر فإسرائيل واثقة بأنها ستسرع بإبلاغ حماس به، بل وتوجيه النصح لها بكيفية مواجهته لإنزال أكبر خسائر بالإسرائيليين لأن ملف غزة والفصائل الفلسطينية فى يد المخابرات، ، وثالثها أن إسرائيل وجهت اتهامات علنية لمصر بل شاركها فيها مجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكى بأنها تُهَرِّب الأسلحة إلى حماس عبر الأنفاق، ومن عدة أشهر نشرت صوراً قالت إنها لضباط مصريين يقومون بالعملية، ورد الرئيس مبارك نفسه بأنها مفبركة لكن المشكلة هنا قد تكون فى الأداء السياسى السيئ للنظام عندما تنعكس خصوماته السياسية مع الإخوان المسلمين المصريين وإيران وسوريا على مواقفه من حماس، بأن يسمع المسؤولون الإسرائيليون من مسؤولين مصريين انتقادات لحماس من هذا المنطلق، وأبرز مثال على هذا الاحتمال تصريحات وزير الخارجية أحمد أبوالغيط العصبية بأن حماس لا تلومن إلا نفسها، مثلما صرح من قبل أثناء اقتحام الآلاف من أهالى غزة الحدود بأنه سيتم كسر أرجلهم إذا كرروها، وعلى كل حال فلا مصر يمكن أن تستغنى عن وجود حماس بها مهما كانت مشاعر النظام نحوها كارهة، لأنها تريدها شوكة دائمة فى ظهر إسرائيل. وأنا أعنى المؤسسات السيادية المعنية بقضية الأمن الوطنى، ولا حماس نفسها ومهما حدث لها من النظام وميله أكثر لحركة فتح راغبة فى الابتعاد عن مصر ولا قادرة عليه حتى لو أرادت لأن مصر بوابتها الوحيدة، بالإضافة إلى أنها ستكون قناتها الأكثر فاعلية عندما تبدأ فى اتصالات جادة مع أمريكا وإسرائيل بحيث لا تترك فتح ومحمود عباس وحدهما يتفاوضان معهما، وعلى كلٍ فحماس بدأت منذ مدة نوعاً من هذه الاتصالات بحكم واقعها كقوة سياسية حاكمة فى غزة، وقبل انفرادها بها كانت صاحبة أغلبية فى المجلس التشريعى وترأس حكومة الوحدة الوطنية، أى أن فكرة المفاوضات مع إسرائيل وأمريكا وإحداث تغييرات فى سياساتها واردة تماما. وهو ما ينقلنا مباشرة إلى السؤال: هل الأحداث الأخيرة ستؤدى إلى تطرف حماس أم ليونة أكثر؟ وتقديرى أنها ستؤدى إلى ليونة سياسية، وازدياد تأثير المطالبين داخلها بالتفاوض مع إسرائيل وأمريكا والاتحاد الأوروبى، أما تأثير هذا التحول، إذا حدث، على سياسة إسرائيل، ومقابلته بمرونة أكثر والتوصل إلى حل نهائى فأمر مشكوك فيه، لأنها قد تنظر إليه وكأنه انتصار لسياساتها العدوانية. إننا أمام ظروف على الساحة الفلسطينية يصعب فيها التنبؤ بشكل أقرب إلى الدقة بما ستنتهى إليه الأحداث بعكس الموقف المصرى الذى يسهل فهمه لأن قوى النظام المؤثرة فيه مواقفها نحو فلسطين واضحة.