لماذا يقف القادة العرب أمام رغبات ومشاعر شعوبهم؟ التعاطف الشعبى العربى مع الصحفى العراقى منتظر الزيدى، الذى ألقى حذاءه فى وجه الرئيس بوش، يعكس مدى الكراهية والضيق من السياسات الأمريكية الرعناء طوال فترة حكم الرئيس بوش.. وهذه الكراهية كانت تفرض عليهم سلوكا جافا مع الولاياتالمتحدة.. ولكن القادة العرب كان لهم رأى آخر.. فقد أغدقوا على الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس ورموز الإدارة الأمريكية وأغرقوهم فى الهدايا المبالغ فى قيمتها جدا. القادة العرب كانوا يظنون أن الهدايا ستكون «دكاكينى» بينهم وبين الإدارة الأمريكية، ولكن الولاياتالمتحدة من الداخل دولة ديمقراطية، لا يملك الرئيس ولا أى وزير أو مسؤول فيها أن يتقاضى هدية شخصية، وأى هدية تصل له يسلمها لخزينة الدولة، وكل عام يصدر تقرير من الخارجية الأمريكية يحدد كل هدية ومصدرها وتاريخها وقيمتها، ثم تتحول إلى الخزينة العامة لتصبح أموالا أمريكية.. ولأن الشفافية عرض رئيسى من أعراض الديمقراطية، يتم نشر هذه القائمة كل عام ليعرف الشعب الأمريكى الحقيقة، وينشرها الإعلام فى مثل هذا الوقت من كل عام. وقائمة هذا العام كانت مخجلة جدا.. فقد قام أحد الملوك العرب بمنح كوندوليزا رايس قلادة وخاتما وسوارا وقرطا من الماس والزمرد بلغت قيمتها 147 ألف دولار أمريكى، كما قامت زوجته الملكة بمنحها مجوهرات قيمتها 5 آلاف دولار.. وكشف التقرير الذى تناقلته وكالات الأنباء أن ملكا عربيا آخر أهدى كوندوليزا مجوهرات من الماس والياقوت قيمتها 165 ألف دولار.. وقدم رئيس دولة عربية شقيقة عانت من أمريكا طويلا لرايس آلة عود وكميات من الحلى منها خاتم وقلادة بداخلها صورته الشخصية تم تقديرها بآلاف الدولارات، بالإضافة إلى نسخة من كتابه الشهير.. وكانت أقل الهدايا قيمة التى تلقتها كوندوليزا من القادة العرب هدية رئيس عربى عبارة عن صندوق من الجلد الأحمر مملوء بالتمر مع 8 زجاجات زيت زيتون و6 زجاجات نبيذ، وهى هدية قيمتها 381 دولارا لا غير. وتناول التقرير، الذى أصدرته الخارجية الأمريكية كشفا بالهدايا التى تلقاها الرئيس الأمريكى جورج بوش وقرينته لورا، حيث أهدى بوش، كما أهدى زوجته لورا هدايا قيمتها 95 ألف دولار.. وتلقى الرئيس بوش من الرئيس الأفغانى حامد كرزاى قطعة موزاييك فنية بقاعدة دائرية ورأس مزمارى بقيمة سبعة آلاف و500 دولار، والجميع يعرف الحالة المزرية التى تعيشها أفغانستان ونتابعها يوميا على شاشات الفضائيات.. وكانت أقل الهدايا من الناحية المادية التى تلقتها لورا عبارة عن مجموعة كتب من أحد الملوك العرب عن مملكته.. ومن بين ما شملته قوائم الهدايا، ما تلقاه وزير الدفاع الأمريكى روبرت جيتس من مسؤول عربى بارز، وهى سكين عربية مزخرفة بقيمة ثلاثة آلاف 500 دولار تقريبًا، بالإضافة إلى خنجر صلب بقيمة ثمانية آلاف دولار. والولاياتالمتحدة اعتادت أن تعلن فى مثل هذا الوقت من كل عام عن الهدايا التى تلقاها رموز الإدارة الأمريكية. والقانون الأمريكى يمنع حصول أى مسؤول على هدايا تزيد قيمتها المادية على 50 دولاراً، أى أن كل الهدايا التى تم الإعلان عنها قد تحولت إلى أموال أمريكية تخص الشعب الأمريكى، فلا استفاد منها الذين أخذوها على سبيل الهدية، ولاحتى الذين أهدوها.. والحقيقة أن الهدايا لم تكن مقصورة على الملوك والرؤساء العرب والمسلمين فقط، فهناك هدايا من قادة دوليين آخرين، وبعضها أغلى ثمنا من الهدايا العربية، فبينما كانت أصغر الهدايا الممنوحة للرئيس الأمريكى من الزعيم الدينى الصينى الدلاى لاما، وهى عبارة عن فواكه مجففة وجوز هند بلغت قيمتها ستة آلاف دولار، كان أكبرها من رئيس الوزراء السويدى بقيمة 570 ألف دولار.. ولكن للعرب والمسلمين خصوصية مع الرئيس بوش وإدارته تجعلنا نستنكر منحهم الهدايا إلا لو كانت رمزية وبروتوكولية، حيث كانت سياسة هذه الإدارة المعلنة موجهة أساسا ضد العرب والمسلمين، ومعظم ضحايا هذه السياسات من العرب والمسلمين.. ففى العراق وحده مات حوالى مليون عراقى خلال 6 سنوات فقط، وفى أفغانستان مات عشرات الآلاف من المسلمين.. فإذا كانت الهدية تعبيراً عن المحبة والوداد.. فكيف يحب القادة العرب بوش وإدارته بينما تكرههم الشعوب؟ الحقيقة أن حذاء الزيدى كان أصدق فى التعبير عن مشاعر العرب والمسلمين من هدايا الملوك والرؤساء العرب.. ورغم أن تلك الهدايا ستودع كمقتنيات فى الخزينة الأمريكية، فإن حذاء الزيدى سيظل أعمق تأثيرا فى كل الأذهان العربية والإسلامية والأمريكية أيضا.. والحقيقة أن الولاياتالمتحدة التى نرفض سياساتها تجبرنا على احترام ديمقراطيتها، فالرئيس وإدارته مهما أساءوا للبشرية لا يستطيعون إلا أن يكاشفوا الشعب الأمريكى ويصارحوه.. أما نحن فلا توجد علاقة صحية تربط شعوبنا بحكامنا، الذين مهما أساءوا لنا، لا يملكون إلا أن يحترموا القيادات الأمريكية ويتنافسون من أجل كسب ودهم.. الفارق كبير.. المهم هنيئا لبوش بحذاء الزيدى.. وهنيئا للشعب الأمريكى بهدايا الملوك والرؤساء العرب والمسلمين. [email protected]