لست متخصصاً فى الرى، ولا فى المياه الجوفية، ولكنى أعرف أن أفضل المتخصصين فى هذا المجال هم أكثر الناس احتياجاً لتقنيات متقدمة جداً تساعدهم على الوصول إلى معرفة شبه يقينية عن حالة خزان المياه الجوفية فى صحارى مصر، وفى مناطقها الزراعية الجديدة. أعرف أيضاً أن آلاف المصريين تمكنوا خلال الثلاثين عاماً الماضية، بجهودهم الذاتية ومدخراتهم، من استصلاح أكثر من 2.5 مليون فدان فى الأراضى الجديدة، يقع معظمها فى طريق مصر الإسماعيلية الصحراوى، وطريق مصر الإسكندرية الصحراوى، ومنطقة وادى النطرون، ومنطقة شرق البحيرات فى شبه جزيرة سيناء. وأعرف أيضاً أن محاصيل الفاكهة والخضار والخضراوات التى تنتجها هذه الأراضى الجديدة هى التى أتاحت لفقراء الريف والمدينة فى مصر هذه المنتجات الغذائية الجيدة طوال العقود الماضية بعد أن كانت حكراً على موائد الأثرياء، كما ساهمت هذه الأراضى فى تشغيل عشرات الآلاف وزيادة الصادرات المصرية إلى الأسواق الأوروبية والعربية. ويعرف كل من له علاقة بالزراعة أن معظم هذه الأراضى الجديدة تعتمد أساساً فى ريها على الآبار الجوفية، وعلى نظم الرى الحديث بالرش والتنقيط، وأن هذه المساحة الضخمة من الأراضى لا تكاد تستهلك من المياه ما تستهلكه حمامات السباحة ونوادى الجولف فى قصور ونوادى الأثرياء. كل هذا نعرفه، ولكن هل يعرف الدكتور محمود أبوزيد، وزير الموارد المائية والرى، أن وزارته المسؤولة عن ترخيص الآبار الجوفية فى الأراضى الجديدة تعمدت خلال العقود الماضية ودون أسباب منطقية حرمان معظم هذه المساحات من ترخيص آبارها؟، وهل يعرف الوزير أن معظم موظفى وزارته كانوا سبباً رئيسياً فى تعذيب كل من يجرؤ على التفكير فى ترخيص آباره؟ وهل سمع وزير الرى مثلنا عن الأزمة المالية العالمية الرهيبة التى تهدد العالم كله بكساد عميق وفقر أعمق؟ أطرح هذه الأسئلة على وزير الرى بمناسبة تصريحاته المذهلة، التى قال فيها إن وزارته ستبدأ خلال أيام فى إزالة الآبار الجوفية المخالفة فى طريق القاهرةالإسكندرية الصحراوى، ووضع ضوابط إنشاء آبار جديدة لمنع استنزاف الخزان الجوفى بهذه المناطق.. وأشار الوزير إلى رفضه التام قيام بعض المستثمرين فى منطقة وادى النطرون وحتى محافظة السادس من أكتوبر بحفر الآبار الجوفية دون تصريح من الوزارة!. وقال الوزير أيضاً إنه أعطى تعليمات مشددة لأجهزة قطاع المياه الجوفية بالوزارة بحصر الآبار المخالفة، تمهيداً لإصدار قرارات إزالة فورية لها، حماية للخزان الجوفى من التدهور. هذا كلام يبدو منطقياً، ولكنى لا أستطيع أن أتجاهل السياق الطبيعى له، ولا يصح أبداً أن نتغافل عن الإعلانات المكثفة التى نشرها صاحب شركة الريف الأوروبى فى الصحف المصرية كلها قبل العيد مباشرة، والتى اتهم فيها وزير الرى بهدم آباره المرخصة التى اشتراها بأراضيها من شركة «رجوا» التابعة لقطاع الأعمال المملوك للدولة، ولا ينبغى أن يتمادى أى مسؤول، فيرتكب جريمة ضد الإنسانية، لمجرد التغطية على مخالفة صارخة هى فى الحقيقة إحدى «مكائد» الصراع الضارى فى قمة السلطة بين الإخوة الأعداء. نعم، هى جريمة ضد الإنسانية، لأنها تدمر أكثر من مليون فدان من أجود الأراضى الزراعية، مملوكة لمواطنين ومستثمرين أفنوا فيها أعمارهم، وبذلوا أقصى ما لديهم لترخيص الآبار وتقنين الملكية، ولكن أجهزة الدولة هى التى تعمدت حرمانهم من التراخيص، وهى التى منحتها بكرم فاضح لأصحاب ملاعب الجولف، وأى كلام عن حماية الخزان الجوفى من التدهور لتبرير هذه الجريمة لن يصدقه أحد.. ولن يمنع آلاف المواطنين من حماية استثماراتهم بأرواحهم إذا لزم الأمر. [email protected]