واحدة من السمات المشتركة البارزة بين أحداث القرصنة الصومالية والأحداث الإرهابية فى مومباى، هى انتشار ظاهرة الجيوش الخاصة، وأعنى التجمعات العسكرية الوطنية، التى تجتمع تحت راية تنظيمات غير تنظيم الدولة الحديثة، فالقراصنة الصوماليون ليسوا مرتزقة بالمعنى الحرفى للكلمة، فهم ليسوا متعددى الجنسيات، هدفهم الوحيد ليس هو الربح فقط كما هو حال النموذج التقليدى للقرصنة، فهم صوماليون امتهنوا حرفة البحر سواء فى الجيش الصومالى قبل تفكك الصومال أو التكسب من خلال صيد الأسماك من على السواحل أو تجمعات قبلية قريبة من البحر. فانهيار الدولة الصومالية وبعدها انهيار سلطة المحاكم التى قامت على التحالفات الدينية التجارية الوثيقة والمدعمة إقليميا، بالإضافة إلى الغزو الإثيوبى المسلح، الذى تم من خلال توافق اقليمى، وأخيرًا انقسام الفرق السياسية بين من يؤيد تصورات أسمرة الإريترية ومن يؤيد تصورات كينيا، حيث كان من العوامل الحاسمة التى دفعت إلى التفتت المستمر للصومال. بعبارة أخرى، إن نشأة القرصنة الصومالية مرتبطة بعوامل ترجع فى الأساس إلى انتشار وتعمق الظواهر غير النظامية على المستوى الإقليمى لإقليم القرن الأفريقى الواسع منذ انهيار الدولة الصومالية فى التسعينيات من القرن الماضى. فالقرصنة الصومالية تختلط فيها عوامل الربح بالوطنية ومقاومة الغزو والأصولية الوهابية والعمالة لدول إقليمية وعالمية. أما فى حالة أحداث مومباى فنجد أن المغيرين على المدينة المالية والتجارية الأولى لهم جنسية باكستانية، وأن الجماعة التنظيمية التى تظللهم تحت رايتها تضرب أساسها فى التاريخ البعيد، وهو تاريخ تقسيم الهند وباكستان إلى دولتين من خلال التوافق الدولى بعد الحرب العالمية الثانية، دون التوافق الشعبى الكامل. ويتركز جيش «العسكر الطيبة» فى الجزء الباكستانى من كشمير المتنازع عليها مع الهند، حيث تعتقد كلتا الدولتين أن الأخرى سلبته من غير حق. وتطور جيش «العسكر الطيبة» مع نشوء تنظيم «القاعدة» بمساعدة دول كبرى فى الشرق الأوسط ودور كل من المخابرات العسكرية الباكستانية والمخابرات الأمريكية فى إنشاء وتعضيد الطالبان، حيث تم مد صلات تنظيمية واسعة النطاق بين القاعدة والطالبان والعسكر الطيبة، خاصة مع توافر وجود العنصر الباكستانى المشترك فى الحالتين، هذا فضلا عن أن العسكر الطيبة ساعدت قيادات بارزة فى الهروب والاختفاء بعد سقوط دولة الطالبان سواء كانت أفغانية أو من القاعدة . ومع تدهور الأوضاع الأمنية فى باكستان مع اختفاء مشرف وبزوغ حكم مدنى ضعيف، وعودة استشراء نفوذ المؤسسة العسكرية الأمنية الباكستانية، وجدت بعض العناصر فى هذا النظام الفرصة لإحياء التوتر الإقليمى، ولكن هذه المرة جاء على مستوى إرهابى واسع النطاق. ففى الحالين تختلط عوامل الربح بالوطنية، والدينية المذهبية بالعمالة الدولية بالتكنولوجيا العالية بالاتصال الدولى بالعصابات الدولية. كل هذا أضحى يشكل حالة دولية تعبر عن مدى تعمق الحالات غير النظامية فى النظام الدولى الجديد تعكس مدى نمو واستمرار وتمدد الصراعات الإقليمية. هنا نلاحظ: أولا، أن انتشار الجيوش الخاصة يمكن التأريخ لها بدءًا من حروب تفتيت الدولة اليوغسلافية والعراقية والسودانية واللبنانية، ثانيا، أن الجيوش الخاصة تظهر فى ثلاثة أنماط: 1- الوطنية الخاصة، 2- جيوش الشركات الدولية المتعددة المتعاقدة من أجل مهام لصالح الدول الكبرى، 3- المرتزقة بالمعنى التقليدى، والتى تعتمد على التطوع من أجل الربح فى الأساس، ثالثا، أن عامل التكنوجيا العسكرية صار حاسما فى استمرار التفتت فى النظام الدولى سواء من خلال تآمر مخابرات الدول الإقليمية والكبرى أو من خلال الحصول عليها من السوق الدولية المفتوحة. وتساهم الأزمة المالية العالمية العاصفة بالعالم فى تسرب وانتشار الكنولوجيا إلى مناطق الصراع الإقليمى أو تقوم بخلق بؤر صراعية جديدة. فماذا ينتظر مصر من هذا التطور؟