هذا السؤال الوارد فى العنوان لا ينطوى من قريب أو بعيد على أى نوع من المجاز اللغوى.. إنه سيداتى وسادتى بدءًا من رئيس الجمهورية وانتهاء بأبسط مواطن.. سؤال حقيقى أتحدث فيه عن نفسى وعن عشرات الألوف من المصريين، الذين أصيبوا خلال الأعوام الماضية بأمراض، كلها تتصل بجهاز المناعة فى الجسم وتأخذ صور الأورام السرطانية أو ما قبلها بدرجاتها ومواقعها المختلفة فى الأجسام، ودرجات خطورتها المتباينة. إذن أنا أطرح سؤالاً بالأصالة عن نفسى وبالنيابة عن جميع المصريين، الذين غزا أجسادهم المرض اللعين، وأطالب المسؤولين بالإجابة عنه، كما أطالب كل صاحب رأى واختصاص علمى بأن يبدى فيه رأيه. ويستوى فى هذا الأطباء والعلماء وإخصائيو التحاليل وإخصائيو المواد المسرطنة كما يستوى فيه المحامون ورجال القضاء ورجال الأمن والصحفيون والمزارعون، وكل من أكل زرعاً ولحماً. لقد تشاورت قبل أن أكتب هذا المقال مع أستاذ خبير من أساتذة الزراعة فى مصر لديه الخبرة بأعمال وزارة الزراعة ونظم استيراد الأسمدة وضمان سلامتها وخلوها من أى عناصر ضارة بالتربة والنبات والحيوان الذى يتغذى عليه والإنسان الذى يأكل من ثمره ويشرب من حليب الأبقار ويأكل لحومها، وفى الوقت نفسه تشاورت مع أستاذ كبير فى كلية الطب كان حاضراً الجلسة. لقد قطع الخبيران الزراعى والطبى أن الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة، بسجن يوسف عبدالرحمن وكيل أول وزارة الزراعة سابقاً عشر سنوات فى قضية المبيدات المسرطنة يقدم تفسيراً علمياً: لماذا انتشرت أمراض جهاز المناعة والغدد الليمفاوية والأورام الخبيثة فى أفراد من جميع الطبقات الاجتماعية فى مصر يستوى فى هذا الفقراء والأغنياء والمتوسطون والحكام والمحكومون. لقد أكل الجميع من نبات وزرع وثمر أصابته المواد المسرطنة وشربوا من ألبان حيوانات تغذت عليها، واستمتعوا ببيض الدواجن التى علفت منها وأكلوا من لحوم الحيوانات التى تسرطنت منها بل وذاقوا أسماك المزارع التي يتغذى بعضها على أمعاء ودماء الحيوانات التى تؤخذ من المجازر والمذابح. دعونا من باب التنوير للناس نتوقف هنا. سأحكى لكم تجربتى ولحسن حظى فهى بسيطة الخطر حتى الآن، ولكنها تكبدنى عناء فظيعاً ومؤلماً فى العلاج وتصيبنى بأعراض جانبية مجهدة لهذا العلاج، فضلاً عن الوقت الضائع والمال الذى كان يجب إنفاقه فى أمور سارة ونافعة. لقد لاحظت منذ عام فى ديسمبر الماضى 2007 ظهور بقعة غامقة صغيرة لا يتجاوز حجمها عقلة الأصبع على الساق اليمنى ولاحظت أنها خشنة. عندما ذهبت إلى أستاذ أمراض جلدية طمأننى إلى أنها حساسية جلد وأعطانى مرهماً، بعد شهرين لاحظت أن المرهم لم يؤد إلى اختفاء البقعة، بل إنها اتسعت فذهبت إلى طبيب آخر، فقال إنها شىء بسيط، وغير لى المرهم السابق وجعله نوعين من المراهم فى شهر أبريل أى بعد أربعة أشهر لاحظت أن بقعة مشابهة قد ظهرت على الساق الأخرى، فأعلنت لنفسى أن الطبيبين السابقين هما من هواة الطب بالتأكيد، بنفسى قلت إنه من المستحيل أن يكون الأمر مرضاً جلدياً ليظهر بنفس السيمترية والنظام فى موقعين متقابلين. ولأننى من عباد الله المعروف عنهم التدقيق فى المسائل الطبية سألت أين أحدث طبيب جلد عائد من بعثة فى الولاياتالمتحدة، فأرشدنى أصدقائى فى جامعة عين شمس إليه، وهو الدكتور محمود عبدالله، فقلت فليكن البحث مع هذا الشاب العائد بأحدث المعارف العلمية فى حاضرة العلوم والبحوث العلمية فى منهجية بسيطة، تكشف عمق العلم، قال الطبيب الشاب سنأخذ عينة، قلت تفضل، فأرسلنى إلى طبيب التحليلات وجاءت النتيجة أن هذه البقع الخشنة فى الجلد تسمى «mycosis» وهو الدرجة الأولى البسيطة من مرض أورام الغدد الليمفاوية، وقاكم الله جميعاً منه. أما العلاج فهو علاج دوائى وإشعاعى فى نفس الوقت يهد الجسم ويؤثر على العينين، ولكن لا مفر منه حتى لا ينتقل المرض إلى المرحلة الثانية. عندما راجعت الأمر مع الصديق الدكتور محمد الحفناوى أستاذ الجلد صدق على التشخيص والعلاج، ثم أكده أستاذ أمراض الدم والأورام، عندما اكتشف أن هذا المرض اللعين يتشابه فى مراحله الأولى مع أكزيما أو بقعة غامقة فى الجلد ناتجة عن التعرض للشمس أو أى احتكاك أو هرش بسبب قرصة بعوضة.. صورت نتائج التحليل ووصفت البقعة ووزعتها على أكبر عدد أعرفه من الأطباء للتعليم والتنوير، حتى لا يستخفوا عند التشخيص مع المرضى. لماذا فعلت ذلك؟ ببساطة لأقى الناس من خطأ التشخيص، خاصة أننى قابلت فى المركز الطبى الذى أتلقى فيه العلاج صديقاً من رجال وزارة الثقافة وجدت لديه ورماً ظاهراً مثل الإسفنجة فى حجم الخوخة فى مكان ظاهر عندما سألت الصديق عن مرضه قال إنه بدأ كبقعة غامقة فى الجلد وأنه مر على عشرة أطباء كبار خلال السنوات الأربع الماضية فكانوا يعالجونه على أنه حساسية أو أكزيما ويعطونه مراهم وكورتيزون، بينما البقعة تتورم إلى أن وصلت إلى ما هى عليه، وأخيرا دله أهل الخير على طبيبى الشاب فجاء إليه يطلب العلاج فى مرحلة متأخرة، عندما سألت صديقى عن اسم مرضه، فأجانى بقوله إنه «mycosis» أى نفس المرض الذى أعالج منه فعلمت خطورة الأمر فى مرحلته الثانية وبالطبع سألت عندما زرت أستاذ أورام عن طبيعة المرحلة الثالثة فقال نفس الورم الإسفنجى الذى رأيته ظاهراً فى جسد صديقك ينشأ ولكن داخل الجسم فى الكبد أو الرئة أو الكلى أو الطحال أو أى مكان آخر دفين غير مرئى. وإذا كان صديقى الشاب محمد جمال أبوالعينين رجل الأعمال البورسعيدى، قد أصيب مؤخراً بورم خبيث وهو فى عز القوة وإذا كان صديقى الدكتور محمد السيد السعيد، الخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، رئيس تحرير جريدة البديل سابقا قد أصيب بالمرحلة الثالثة من أمراض الغدد الليمفاوية، ويتعرض كلاهما للعلاج الكيميائى، شديد القسوة.. وإذا كانت زميله شابة لى فى كلية الآداب جامعة عين شمس قد تعرضت لإصابة قاسية بنفس المرض. فإننى أفتح الموضوع علنا فليس على المريض حرج.. إننى أطالب كل من يقرأ هذا المقال أن يحتاط لنفسه وللمقربين منه بالوعى واليقظة أولا ثم بأن يساعدنى فى الإجابة عن السؤال المطروح فى العنوان. لقد أصابتنا وزارة الزراعة بهذا المرض، ولن يكفينا سجن يوسف عبدالرحمن.