ألف مبروك لحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات. مبروك الحكم «التاريخى» حقا الذى صدر الثلاثاء الماضى عن محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، والذى قضى بإخلاء جامعة القاهرة من الحرس الجامعى ونقله خارج أسوار الجامعة، كما قضى بإلغاء القرار السلبى لرئيس الجامعة بعدم إنشاء وحدة للأمن تتبع رئيس الجامعة مباشرة وكذلك تنفيذ الحكم بموجب مسودته وبدون إعلان. وما هذا الانتصار لحركة 9 مارس الاحتجاجية إلا تتويج لنضال الأساتذة الذى طال سنوات ضد التدخلات الأمنية فى شؤون الجامعة، بدءاً من المشهد الغريب لتواجد الأمن التابع لوزارة الداخلية داخل الجامعة وانتهاء بتدخلات الأمن فى التعيينات والسفر وانتخابات اتحادات الطلبة وغيرها من شؤون الجامعة التى لا يجب أن تطالها يد الأمن. ولكن هذا الانتصار ما هو إلا بداية كما يعرف أعضاء 9 مارس، إذ إن الطريق لا يزال طويلا سواء بالنسبة لجامعة القاهرة (الجامعة الأم) أو للجامعات الأخرى التى لابد ستحذو حذو جامعة القاهرة وتطالب هى الأخرى بتنفيذ قرار طرد الأمن منها. وكما جاء فى البيان الذى أصدرته الحركة فإن هذا الحكم جاء متوافقا مع نصوص وروح قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 وتعديلاته التى تنص على كفالة الدولة لمبدأ استقلال الجامعات وتخصيص وحدة للأمن فى الجامعات تتبع رئيس الجامعة مباشرة وينحصر دورها فى حماية منشآت الجامعة وأمنها دون التدخل فى الحريات الأكاديمية والفكرية. كما أضاف بيان 9 مارس أن الحكم بعدم السماح لرجال الأمن بالدخول إلى الجامعة إقرار للدستور الذى ينص على حرية الرأى والتعبير وتوفير الحماية لحرية البحث العلمى والإبداع الفنى والأدبى والمشاركة فى الانتخابات. لقد انتهكت الحكومات المتعاقبة على مدى سنوات طويلة هذا المبدأ الدستورى إلى الدرجة التى جعلت من الشيء الشاذ أمرا طبيعيا ومن الشيء الطبيعى أمرا شاذاً، فكان وزير التعليم العالى وغيره من المسؤولين الحكوميين يخرجون علينا بمبدأ شرعوه هم واستعانوا بالأمن فى تطبيقه بعدم جواز ممارسة السياسة أو التعبير عن وجهات نظر حزبية داخل الجامعة. ولاشك أن التاريخ سيسجل هذه المرحلة السوداء كإحدى وصمات العار العديدة فى حق النظام المصرى. ولكن دعونا مما سيقوله التاريخ. نحن الآن فى الحاضر الراهن وفى الدرس المستفاد من هذا النصر. فبالإضافة إلى الدفعة المعنوية القوية التى لاشك يشعر بها أعضاء حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات وهو ما يستحقونه، يسطع نور هذا النصر جليا أمام كل من حلم بالتغيير فى مصر. هناك من حاولوا وفشلوا نتيجة لظروف خارجة عن إرادتهم كغياب أسس العمل العام وهشاشة المعارضة أمام البلطجة الأمنية. ولهؤلاء شرف المحاولة. وهناك من حلموا بالتغيير والحرية وخافوا أن يتزحزحوا عن استقرار سيرونه الآن وهميا، فما فائدة الاستقرار (بمعنى البعد عن شر الأمن) والمصائب تنهال علينا من حيث لا نحتسب (ولا داعى لذكر أمثلة الكوارث التى لا تنتمى لشرور الطبيعة وإنما لغباء البشر وفسادهم فكلنا نعرفها). كما أن الدرس الأهم سيكون من نصيب طلاب الجامعة الذين غيبتهم أجهزة الدولة وإعلامها عن دورهم الحقيقى فى قيادة دفة سياسات البلد فى الطريق الذى يرونه طريق الحرية وتعددية الرأى والكرامة والانتماء. هؤلاء الطلبة الذين لا يعرفون كيف حرك طلاب الجامعات فى مصر الرأى العام فى الفترة بين نكسة 67 المريرة وانتصار أكتوبر, وكيف يحرك طلاب الجامعات فى الدول الحرة دفة بلادهم، سيعرفون الآن أن هذا بلدهم وليس بلد حزب يحكم بهراوات الأمن. إن النظام الذى يتفاخر بعدم ممارسة الطالب السياسة داخل الجامعة ويمنع تعيينات أساتذة ويعين من يرضى عنهم لا يستحق أن يكون هو النظام الذى يحكم بلدا كان فجر ضمير البشرية ومؤسس أعظم حضاراتها. مبروك لحركة 9 مارس لاستقلال الجامعة ومبروك لمصر نصرا سيكون بداية انتصارات نستحقها بعد طول هوان.