قراصنة اليوم هم فى الغالب مقاتلون من الفصائل المتعددة لأمراء الحرب فى الصومال، الذين حاربوا بعضهم بعضا من أجل السيطرة على البلاد منذ انهيار حكومة سياد برى فى عام 1991.. تلك هى النتيجة التى خلص إليها تحقيق موسع أجرته صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية، التى كشفت فيه حقيقة هؤلاء القراصنة ولصالح من يعملون، وما يهدفون إليه من وراء أعمالهم، وحققت أيضا فيما تردد عن وجود صلة للمسلحين الإسلاميين أو تنظيم القاعدة بهم. ويقول إقبال جازبهاى، الخبير الصومالى بجامعة جنوب أفريقيا فى تشوان للصحيفة إن القراصنة هم خليط من المقاولين المغامرين الذين يعملون لأجل البقاء. ومن الأدلة المعروفة حتى الآن، يبدو أنهم مقاتلون يبحثون فى المقام الأول عن فرص يغتنمونها أو غنائم يفترسونها. فسبق لهم أن أقاموا الحواجز على الطرق لإجبار الناس على دفع الإتاوات كأحد أشكال الضريبة، أما الآن فها هم يجدون الفرص مواتية فى عرض البحار. فقد بدأوا العمل مع الصيادين المحليين ثم تمكنوا من شراء القوارب والأسلحة بالأموال التى حصلوا عليها، إثر استيلائهم على كل سفينة وقعت تحت أيديهم. وكان دافعهم الأول من وراء القرصنة البحرية هو «تماما من أجل البقاء»، فانتزاع الأشياء بقوة السلاح هو الفرص القليلة للعيش فى بلد لا يحكمه القانون. وربما ارتفعت وتيرة أعمالهم مع ارتفاع وتيرة أسعار المواد الغذائية. وقد أصبحت الآن قرصنتهم مربحة جدا، فغدت مشاريع جنائية معقدة تدر عوائد كبيرة بملايين الدولارات على شكل فدية. ■ لصالح من يعمل القراصنة؟ - تقول «كريستيان ساينس مونيتور» إن القراصنة غالبا يعملون لصالح أنفسهم، ومعظم أعمال القرصنة يعود أصلها إلى بونتلاند (بلاد بونت)- الإقليم شبه المستقل فى الساحل الشمالى من الصومال، الذى انفصل عن البلد الأم فى عام 1991- وآلاف القراصنة الآن ينطلقون من الساحل الصومالى، رغم عدم توافر إحصائية دقيقة لعددهم. وتشير تقارير الأممالمتحدة التى ترصد عمليات تهريب الأسلحة فى منطقة القرن الأفريقى إلى أدلة على أن عصابات القرصنة قد أنشأت علاقات مع المسؤولين «الفاسدين» فى حكومة بونتلاند. فالقراصنة – بحسب الصحيفة الأمريكية - يقدمون الرشاوى لمسؤولى ميناء «إيل» كى يسمحوا لهم باستخدام الميناء وموانئ أخرى، قواعد لانطلاق عملياتهم ولإحضار السفن المختطفة إليها للاحتفاظ بها هناك، بينما يفاوض القراصنة أصحاب السفن المخطوفة بشأن الفدية. وهناك أدلة على أن بعض المغتربين الصوماليين فى كينيا والسعودية والخليج العربى، يقومون بتزويد القراصنة بالمعلومات بشأن السفن التى رست فى تلك المناطق والتى ستبحر تجاه خليج عدن وغيرها من المناطق التى تنتشر فيها القرصنة. ■ من المستفيد من القرصنة؟ - يقول إقبال جازبهاى: يبدو أن أمراء الحرب يوزعون الأموال على عائلاتهم وأصدقائهم. وهناك اتهامات ترددت مؤخرا بوجود علاقات للقراصنة مع الفصائل «الإسلامية» المحلية، وربما بدأوا بدورهم استخدام القرصنة لتوفير المال اللازم لشراء الأسلحة. وبالتأكيد فإن الحركات الإسلامية مثل حركة «الشباب المجاهد» - منها فيصل مسلح، ظهر بعد إقصاء المحاكم الإسلامية من حكم الصومال العام الماضى بعد الغزو الإثيوبى المدعوم من أمريكا لهذا البلد - تستخدم القراصنة لتهريب الأسلحة إلى الصومال، البلد الذى يعانى حظرا دوليا على استيراد السلاح. لكن الدليل على استخدام الجماعات الإسلامية القرصنة لتمويل عمليات تسليحها لايزال هشا. ويقول ريتشارد كورنويل، أحد أبرز الخبراء بمعهد الدراسات الأمنية فى تشوان إن «آخر ما تفكر به الحركات الإسلامية هو القيام باستفزاز غير ضرورى للقوى العظمى، الذين قد يلاحقونهم بصورة كبيرة». ولكن بالعكس فإن الخبرات السابقة تؤكد أن القرصنة ستتوقف بين عشية وضحاها، إذا تمكنت الحركات الإسلامية من السيطرة على الصومال، لأنهم لا يرغبون فى أن يحصل أمراء الحرب على المال والسلاح خارج سيطرتهم. ■ هل لتنظيم «القاعدة» صلة بالقرصنة؟ - فى هذا السياق، تنقل الصحيفة الأمريكية عن مايكل هايدن، رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية «سى. آى. إيه»، اعتقاده بأنه لا توجد أدلة على صلة للحركات الإسلامية الدولية وتنظيم القاعدة بالقرصنة، رغم أن تنظيم القاعدة بدأ مؤخرا فى توسيع نشاطه بمنطقة القرن الأفريقى. ولا يستبعد الخبراء فى الشأن الصومالى أن تكون هناك علاقات لبعض قيادات الحركات الإسلامية مع القراصنة، لأن الحركة الإسلامية الواحدة انقسمت إلى نحو 6 أو 7 فرق مختلفة.. وبالتأكيد كل منها تكون لها مشاكلها الخاصة فى الحصول على تمويل. ■ كيف يستولى القراصنة على السفن؟ - تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 90 سفينة تعرضت للهجوم قبالة سواحل الصومال فى عام 2008، و17 سفينة منها بقيت فى أيدى القراصنة الصوماليين. ويقول كورنويل الخبير الأمنى: «أمام يثير الدهشة هو أن عملية خطف السفينة تمت على بعد 400 ميل فى عرض البحر، فتلك أبعد عملية قرصنة سمعنا عنها سابقا. فهم يستخدمون سفينة تسمى (الأم) - سفينة صيد روسية قديمة - يتجولون بها، وحينما يدركون هدفهم يفرغون منها زوارق صغيرة يستخدمونها للحاق بالسفينة الفريسة، ثم يتسلقون على سطحها حاملين البنادق الرشاشة».