رئيس جمهورية اليمن الأسبق: أرقام ضحايا أحداث 13 يناير مبالغ فيها    رئيس الطائفة الإنجيلية ومحافظ أسيوط يبحثان تعزيز التعاون    لافروف: المحادثات الأمريكية الروسية لا تحتاج إلى مساعدة أوروبا    انخفاض درجات الحرارة وشبورة كثيفة على الطرق.. "الأرصاد" تُحذر من طقس الساعات المقبلة    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 4 ملايين جنيه    أحمد الأحمد.. نضر وجه الإسلام    رئيس هيئة الرعاية الصحية يشهد ختام مشروع منحة FEXTE الفرنسية لتعزيز منظومة التأمين الصحي الشامل    مدبولي: برنامج مصر مع صندوق النقد وطني بالكامل وصيغ بإرادة الدولة    زيلينسكي: موافقة الاتحاد الأوروبي على قرض أوكرانيا نصر عظيم    تركيا ترحب برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بموجب قانون قيصر    كأس عاصمة مصر.. ثلاثي هجومي يقود تشكيل الإسماعيلي ضد بتروجت    جوارديولا يحسم الجدل حول مستقبله مع مانشستر سيتي    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية تفتتحان حديقة مدينة ناصر العامة في سوهاج    شراكة استراتيجية بين طلعت مصطفى وماجد الفطيم لافتتاح أحدث فروع كارفور في سيليا    السكة الحديد تطلق عربات مكيفة حديثة لتسهيل رحلات القاهرة – طنطا    الداخلية تضبط 3 سيدات بالإسكندرية للإعلان عن أعمال منافية للآداب    خارطة التمويل الثقافي وآليات الشراكة في ماستر كلاس مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    اليوم.. ريم بسيوني تكشف أسرار تحويل التاريخ إلى أدب في جيزويت الإسكندرية    مصر تستضيف وفدا رفيع المستوى من منظمات الطيران المدني الدولية.. وإطار تعاون لتعزيز الشراكات وبناء القدرات    الداخلية تنظم ندوة حول الدور التكاملي لمؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات والكوارث    حقيقة انتشار الأوبئة في المدارس؟.. مستشار الرئيس يُجيب    محافظ قنا ينعى الطبيب الشهيد أبو الحسن رجب فكري ويطلق اسمه على الوحدة الصحية بمسقط رأسه    الصحة: إرسال قافلة طبية في التخصصات النادرة وكميات من الأدوية والمستلزمات للأشقاء بالسودان    شاب من مركز "قوص بقنا" يُعلن اعتناقه الإسلام: "قراري نابع من قناعة تامة وأشعر براحة لم أعرفها من قبل"    تحرش لفظي بإعلامية يتسبب في وقوع حادث تصادم بالطريق الصحراوي في الجيزة    محافظ المنيا يعلن افتتاح 4 مساجد في 4 مراكز ضمن خطة وزارة الأوقاف لتطوير بيوت الله    لافروف مشيدا بمصر: زيادة التبادل التجاري وتعاون استراتيجي في قناة السويس    لقاء السحاب بين أم كلثوم وعبد الوهاب فى الأوبرا    اكتمال النصاب القانوني للجمعية العمومية لنادي الجزيرة    المهندس أشرف الجزايرلي: 12 مليار دولار صادرات أغذية متوقعة بنهاية 2025    لقاء أدبي بفرع ثقافة الإسماعيلية حول أسس كتابة القصة القصيرة    وائل كفوري يمر بلحظات رعب بعد عطل مفاجى في طائرته    10 يناير موعد الإعلان عن نتيجة انتخابات مجلس النواب 2025    انطلاق مبادرة لياقة بدنية في مراكز شباب دمياط    بعد توجيه الشكر لعلاء نبيل.. كيروش الأقرب لمنصب المدير الفني لاتحاد الكرة    حماس: محادثات ميامي لن تفضي لوقف خروقات إسرائيل للهدنة    عماد أبو غازي: «أرشيف الظل» ضرورة بحثية فرضتها قيود الوثائق الرسمية.. واستضافة الشيخ إمام في آداب القاهرة 1968 غيرت مساره الجماهيري    جامعة عين شمس تواصل دعم الصناعة الوطنية من خلال معرض الشركات المصرية    النتائج المبدئية للحصر العددي لأصوات الناخبين في جولة الإعادة بدوائر كفر الشيخ الأربعة    نيجيريا الأعلى وتونس وصيفًا.. القيمة التسويقية لمنتخبات المجموعة الثالثة بأمم إفريقيا 2025    أحمد شيبة ينتهي من تسجيل أغنية جديدة لطرحها في رأس السنة    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابه    فضل قراءة سورة الكهف.....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم بالبركات    حملات أمنية مكبرة تضبط 340 قضية مخدرات وتنفذ قرابة 60 ألف حكم خلال 24 ساعة    ضبط 20 متهمًا أثاروا الشغب بعد إعلان نتيجة الانتخابات بالإسماعيلية    تعرف على مسرحيات مبادرة "100 ليلة عرض" في الإسكندرية    زراعة سوهاج: حملة إزالة فورية للمخلفات الزراعية بقرية الطليحات لمركز جهينة    "المفوضية الأوروبية" تقرر خفض فحوصات الموالح المصرية إلى 10% بدلًا من 20%    أطعمة تقوي المناعة.. كيف يساعد الغذاء الجسم على مواجهة الإنفلونزا؟    الدفاع الروسية: قواتنا سيطرت على 4 بلدات أوكرانية خلال الأيام الماضية    كأس عاصمة مصر.. الإسماعيلي يتحدى بتروجت بحثًا عن الفوز الأول    مقدمة برنامج بقناة فضائية تتهم التيك توكر إنجي حماده بالاعتداء عليها    أبو الغيط يرحب بانتخاب برهم صالح مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة    جامعة السوربون تكرم الدكتور الخشت بعد محاضرة تعيد فتح سؤال العقل والعلم    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية ومحافظ قنا يشهدون احتفالية بقصر الثقافة    المنتخب يخوض أولى تدريباته بمدينة أكادير المغربية استعدادا لأمم إفريقيا    هل يجوز للمرأة صلاة الجمعة في المسجد.. توضيح الفقهاء اليوم الجمعة    «قلبي اتكسر»| أب مفجوع ينهار على الهواء بعد انتهاك حرمة قبر نجلته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



همّام وإيزابيلا [4] الكنز
نشر في المصري اليوم يوم 26 - 11 - 2008

مضت الأيام داخل السجن بطيئة على همام بن عليش الكوارشى فى انتظار المصير. وكان يقيم على خلاف غيره من المساجين فى غرفة فسيحة تم إعدادها من أجله، وقام على خدمته فيها عدد من المساجين.
وعلى الرغم من المعاملة القاسية التى كان يتعرض لها كل من يسوقه حظه إلى سجن «الأدغم»، فإن الحراس واَمرى السجن لم يكونوا يصدقون أن ما يرونه هو شىء حقيقى، وبدا لهم لعبة يلعبها الكبار من أجل إزجاء الوقت ودفع الملل، وهذا شىء لم يكن مستغرباً على أبناء الأعيان، الذين حازوا ثروة تفوق مال قارون دون أى جهد،
وكانت أيامهم تمضى ما بين صيد وقنص ولهو وسماع وخمر ونساء من كل صنف، وكان بعضهم قد وقع فى أسر الخلطات الرهيبة التى كان يقوم بتركيبها أبوحصيرة العطار اليهودى، ومن أشهرها خلطة الحبشتان المغربى وخلطة القلقشند المطحون، التى كان العطار يجلب موادها من مملكة أراجون،
وقيل إن الملك خايمى الأول كان يمنحه إياها بالمجان لنشرها بين الشباب فى مرسية، ثم وصلت بركاته إلى أشبيلية!. وكثيراً ما كان أبناء الأعيان من الشباب المترف يخرجون فى الليل تحت تأثير ما تعاطوه فيقومون بالإغارة على أحياء الفقراء فى حماية فرقة الجندرمة ويختطفون امرأة من فراش زوجها أو صبياً من أيدى أبويه، وذلك بقصد التسلية واللهو وكسر رتابة الأيام!. وضج الرعية بالشكوى من انفلات أبناء الأعيان وفجورهم وتقدموا للسلطان البيكيكى بالمظالم، يشكون إليه إجرام أصدقائه ورجاله،
وقد هددوا بالثورة والخروج على السلطان، وبعثوا إليه من يذكره بما حصل فى بلنسية عندما دخلها «أبوجميل زيّان سليل اَل مردنيش» فى حماية الجمهور وعقد البيعة لنفسه وخلع السيد أبوزيد الموحدى والى المدينة الذى لم يجد بداً من اللجوء للملك خايمى ومعه كاتبه ووزيره ابن الأبار، ومما يذكر لإبن الأبار أنه ظل يستصرخ ملوك وأمراء المسلمين لنجدة الثغور التى أخذت تتساقط الواحدة تلو الأخرى،
وكانت سينيّته الرائعة نموذجاً مبكياً وكأنها نفثة الأندلس الجريح ألقاها بين يدى الأمير أبى زكريا الحفصى سلطان دولة بنى حفص بتونس ومطلعها: أدرك بخيلك خيل الله أندلسا..إن السبيل إلى منجاتها درساً. وهب له من عزيز النصر ما التمست.. فلم يزل منك عز النصر ملتمساً.
لكن السلطان البيكيكى على العكس من السيد أبوزيد الموحدى كان مطمئناً لاستتباب حكمه، وكان الصلح الذى عقده مع ملك قشتالة والجزية التى يؤديها إليه، والقشتاليون الذين يحرسونه تجعله يشعر بالقوة، فضلاً عن إحكامه الرقابة على رجاله، فكان ينشئ عسساً على العسس، كما كان يعتقد دائماً أن الرعية لديه أهون من أن يتعدى جهدهم الكلام، وإن كان من وقت لآخر يقوم بإلقاء حوت من الحجم المتوسط من السفينة، أما الهامور الوحشى فدونه خرط القتاد!.
لهذا فقد اعتقد حراس السجن أن الأمر كله لا يخرج عن كونه حيلة أو مزحة من مزحاتهم الملعونة، سيكون لها بالتأكيد ضحايا، وقد خشى كل منهم أن يكون من بين هؤلاء الضحايا، وظنوا أن اللعبة بعد أن تنتهى سيخرج عليش من البوابة وضحكاته تشق الفضاء،
وبعدها سيتفرغ للانتقام من كل من أساء إليه أو حتى نظر إليه بشماتة. لهذا فقد حرصوا على معاملته كأحسن ما تكون المعاملة. أيضاً الأموال التى كانت تصل إليهم من والده الكوارشى الكبير، ذلك الرجل المُسن الذى لم يمنعه فراش المرض من الاهتمام بولده الوحيد ومؤازرته فى مصيبته، كذلك نفوذ البندريّة شقيقته وقدرتها على إخضاع الجميع.. كل هذ كفل لهمام إقامة مرفهة داخل السجن فى انتظار الحكم.
أما بالنسبة للمطجن البصاص فقد كان الأمر مختلفاً تمام الاختلاف. لقد لقى منذ اليوم الأول معاملة شديدة الفظاظة والقسوة. كان معروفاً أن أمواله قد تمت مصادرتها بعد العثور عليها مدفونة تحت كانون النار فى صحن داره، لكن رجال السجن لم يصدقوا أنه لا يخفى كنزاً فى مكان آخر لم تصل اليه يد البصاصين، وطمع كل منهم فى أن يكون له نصيب فى الكنز،
لهذا فقد قاموا بجلده من أول لحظة، عسى أن يظفروا منه باعتراف سريع، لكنه كان شديد الجلد، وأقسم لهم أن المال كله قد صودر، ولو كان يملك شيئاً منه لافتدى نفسه، فلما يئسوا منه أودعوه عنبراً كبيراً شديد القذارة، به عشرات السجناء، الذين تُركوا يفترسهم الجرب والجزام.
وكان من ضمن نزلاء العنبر بعض من ضحاياه الذين استقبلوه لدى دخوله استقبالاً حافلاً باللكمات والركلات والصفعات، فكسروا أسنانه ولم يتركوه إلا وهو عاجزاً عن الأنين، ومن يومها صار خادماً للجميع داخل العنبر.
ولم يشفع له زمالته لحراس السجن كبصاص قديم، إذ أنهم لم ينسوا غطرسته القديمة وتيهه عليهم، بانتسابه إلى فرقة الجندرمة القريبة من الحكام وكبار التجار والأعيان، وعدم تورعه عن إيذاء زملائه.
وكان أبناء هذه الفرقة مرهوبون حتى من زملائهم بسبب أن قائد الفرقة أبوالحسن المراكبى كان يتخير الرجال وفى باله صفات لا يمكن التنازل عنها فى المتقدم، من أهمها الغدر!. هذا غير سبب آخر جلب على المطجن نقمة رجال العسس بجميع الفروع، وهو أنهم نفسوا عليه الفرصة التى واتته بأن يكون هو صاحب الحظوة لدى رجل ثرى وسفيه مثل همام الكوارشى، وأن يتم تكليفه بهذه المهمة السهلة، وكل منهم كان يعتقد جازماً أن المهمة لو أوكلت إليه،
 لقام بها على أكمل وجه وفاز بالجائزة. أما هذا المطجن المتطاوس فلم يجلب لهم سوى الخزى والعار ليس لكونه مجرما أثيماً، وإنما أن يكون بكل هذه الرعونة والنزق، فيترك وراءه شريطاً من الآثار سهّلت القبض عليه.
كان على المطجن أن يجد حلاً لهذه المعضلة.. لقد أنهكوه ضرباً ولم يعد يحتمل المزيد، والأيام مازالت حبلى بهوان أشد. بعد طول تفكير وجد أنه لابد أن يستعين بالمال الذى خبأه على نوازل الأيام، فقرر أن يبوح بجزء من الحقيقة بشأن أمواله ويخبر السجناء والحراس بأمر المال.
فأطلق وسط المساجين أقاويل عن كنز مخفى له خارطة يحفظها فى قلبه، قوامه الأموال التى جمعها من البرطلة طوال السنين، علاوة على الجواهر التى كان يسرقها من مخدومه أيام كان يتركه طليقاً بالبيت، عدا عن المكافأة الضخمة التى اقتنصها منه ولم تستطع الشرطة سوى العثور على جزء صغير منها.
والحقيقة أن المطجن البصاص كان يحتاط للأيام، فأودع جانباً لا بأس به من أمواله فى صندوق نحاسى ختم عليه وخبأه بقاع نهر «تجاريتى» وربطه بحجر بين الصخور. فهل يكون ذلك الصندوق هو وسيلته للفرار من سجن «الأدغم» الرهيب، واسترداد حياته من جديد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.