ضحى المصريون كثيراً، من أجل قضية فلسطين، وتحملوا وحدهم عبء مواجهة إسرائيل، وساندوا حركات التحرر فى ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ووقفوا إلى جانب استقلال الكويت وتحرير جنوب اليمن من الاحتلال الإنجليزى، ودعموا العراق فى حربها ضد إيران، وقدموا للسعودية وبلدان الخليج العربى ما تحتاج إليه من كل أشكال الدعم السياسى والاقتصادى والعلمى، ليكون لهم وجود مشرف على خريطة العالم المعاصر. وتحمل الشعب المصرى من أجل عزة العرب والعروبة كل ما تحمل، كى يكون حصاده على قدر ما أعطى، ويجد الأشقاء العرب فى عونه عندما تشتد أزمته، مثلما كان إلى جانبهم حينما كانت حياتهم أزمات فى أزمات، لكن وعلى غير المرجو قوبل إحسان الشعب المصرى بالإساءة، وتحولت معاناته لورقة مساومة، يوظفها بعض المستعربين للنيل من هذا الشعب والامتهان المتعمد لكرامته فى الداخل والخارج، وعلى كل المستويات. منذ 5 سنوات تقريبا تعرض وزير الخارجية المصرى الأسبق أحمد ماهر للضرب والإهانة، على يد مجموعة شاذة من الفلسطينيين وهو يؤدى صلاة المغرب بالمسجد الأقصى، وهو المتحدث الأعلى باسم الحكومة المصرية فى دعم مسيرة التفاوض بين المصريين والإسرائيليين، وفى عام 2005 يتعرض أبرز الأئمة المصريين بالكويت لحادث اعتداء أصيب على إثره بجراح خطيرة، نقل بسببها إلى أحد المستشفيات لتلقى العلاج. وفى مايو من العام نفسه يواجه بعض أبناء الجالية المصرية فى السودان الضرب بالخراطيم وفوهات البنادق والأحذية من جانب الشرطة السودانية، دون أن تتحرك الحكومة المصرية لتعويض هؤلاء قدرا من كرامتهم المفقودة، ثم يتعرض المنتخب المصرى للكرة الخماسية للاعتداء من جانب المنتخب الليبى، ويقام على شرف المفوض المصرى التجارى فى الكويت حفل ضرب معتبر وسب وقذف بلا حياء ولأسباب واهية. وأخير جاءت الاعتقالات العشوائية التى طالت بعض المصريين فى السعودية دون محاكمة، وجلد البعض الآخر بشراسة على جرائم ملتبسة وشبه مصنوعة، دون مراعاة لأى روابط تاريخية أو دينية أو سياسية أو أخلاقية أو شعبية بين البلدين المصرى والسعودى، مثل عملية جلد الطبيبين المصريين مؤخرا، والتى تعتبر حلقة سخيفة مستفزة غير مشرفة من حلقات الإساءة المتعمدة لمصر، وإهدار ما تبقى من كرامة المصريين، وكان الطبيبان رؤوف محمد العربى وشوقى عبدربه، قد وجهت إليهما تهمة مساعدة زوجة أمير سعودى على الإدمان، وحكم على الأول بالسجن 15 عاما، و20 عاما للثانى، وجلدهما 1500 جلدة بواقع 70 جلدة أسبوعيا. وعندما عم السخط، واستنكر الرأى العام المصرى الحكم، لم تتردد السفارة السعودية فى تبرير الحدث، وإصدار بيان رسمى، لإزالة اللبس واللغط – كما تقول – وبدلا من تهدئة الخواطر ومراجعة الحكم، أضافت إلى التهمة المعلنة حزمة جديدة من التهم، تتعلق بجلب وشراء وسرقة أنبولات وعقاقير طبية تندرج ضمن العقاقير المخدرة، وإقامة علاقات محرمة مع عدد من النساء بعد حقنهن وتخديرهن، وأتوقف عند هذه التهمة الأخيرة بالذات لغرابتها، وشعورى بأنها جاءت فوق البيعة للمبالغة فى حجم الجريمة، وفى الوقت نفسه التهوين من شأن الطبيبين. ولا أعرف بصراحة أين وجه المتعة فى مضاجعة سيدات تم تخديرهن؟ وهل يملك من تجاوز من عمره 52عاما الأسلحة التى تعينه على الممارسة الجنسية فى مثل هذه الظروف الغريبة، والمناخ اللاشهوانى، اللهم إذا كان الطبيبان من أحفاد عنترة بن شداد؟ هل قامت النسوة اللواتى تم الاعتداء عليهن – رغما عنهن كما قيل – بتحريك الدعوة ضد الطبيبين؟. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تتم مواجهتهن بالأسدين المفترسين لتأخذ العدالة مجراها، وينتهى هذا الفيلم الهابط؟ ومن أى شريعة جىء بهذا الحكم؟ لقد أكد رجال الدين فى مصر عدم وجود أى نص فقهى أو شرعى، يبيح للمملكة حقوق توقيع هذه العقوبة، وأن حد الله على الزانى والزانية اللذين لم يسبق لهما الزواج مائة جلدة، أما 1500 جلدة فهى حدود بدوية جاهلية، بعيدة كل البعد عن روح التسامح الدينى، وروح العصر، وروح أى قانون سماوى أو أرضى أو حتى بحرى إذا وجد، ولا يستطيع احتمال مثل هذا الحكم مصرى أو تركى أو ماليزى أو كستريكى. فسبعون جلدة كل 10 أيام ليست عقوبة ردع بل تعذيب يفضى إلى موت، وهو ما لا يصلح مع البشر أو العبيد، ولا تقره حتى شريعة الوحوش، وأظن أن حكم الإعدام فى هذه الحالة أرحم بكثير على المتهمين وممن يدركون أى معنى للرحمة. أنا لست متأكدا من براءة الطبيبين، ومع محاكمتهما بما يتناسب مع ما ارتكباه على أن يكون العقاب بقدر الإثم، أما امتهان المصرى لمجرد الامتهان وإذلاله من أجل الإذلال فهو أمر أرفضه تماما، ويرفضه كل مصرى أعطى أكثر مما أخذ، وتعلق بحبال القومية العربية، ليجد نفسه فجأة قد سقط غريقا فى بحور الوهم. شكراً لوزيرة القوى العاملة لقرارها بوقف سفر الأطباء المصريين إلى السعودية بعد تنفيذ الدفعة الأولى من جلد الطبيبين، والشكر الأكبر لوزير خارجيتنا الذى لم يهتم بالقضية أصلا وكأنه وزير لبلد آخر، وكأن الطبيبين الممتهنين من (نيكاراجوا العسل) وأطالب كل العاملين المصريين فى المملكة بالعودة إلى مصر فورا، قبل أن يجدوا أنفسهم مضطرين لخلع ملابسهم، والسير عراة فى طوابير إلى الميادين العامة بالمملكة، للنوم على الأسفلت انتظارا لجلدهم على مرأى ومسمع من العالم ليس مراعاة لحدود الدين، بل نزولا على رغبة ومزاج بعض أصحاب السلطة هناك. مصر لم تسئ لأحد وفتحت أبوابها للإخوة العرب، وأحسنت معاملتهم، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟. [email protected]