انحيازى كامل إلى حرية تداول المعلومات وحق الناس فى المعرفة، ولكنى متفهم ومتقبل - كصحفى - قرار المستشار المحمدى قنصوة، رئيس محكمة الجنايات، بحظر النشر التفصيلى فى محاكمة هشام طلعت مصطفى ومحسن السكرى المتهمين بالتحريض والقتل للمطربة اللبنانية سوزان تميم. فالقضية أصبحت وليمة يومية للصحف والمحطات التليفزيونية، كل يقول ما يريد، المحامون يتحلقون، يتوغلون، وينتشرون فى كل وسيلة إعلامية، بعضهم بلا دور، يبحث عن شهرة، والبعض الآخر صاحب مصلحة أكيدة فى براءة موكله. صحف وقنوات تبرئ هشام، بل تجعله أحياناً من القديسين.. وصحف وقنوات تدين هشام ومحسن وتجعلهما من الشياطين، فماذا تبقى لهيئة المحكمة، خاصة بعد أن أصبحت البراءة المضمونة تباع فى الكتب، والمحامون يضعون مبررات براءة موكليهم وتنشرها الصحف بلا خجل. فإذا حكم القاضى بالبراءة فلابد وأن اتفاقاً قد تم إما بالرشوة أو بتعليمات سياسية، وإذا حكم بالإدانة، فهو إما ظالماً أو متأثراً بالرأى العام، فى حين أن هيئة المحكمة المشهود لها بالنزاهة ستحكم بما بين أيديها من أدلة وقرائن، وبما استقر فى وجدانها. المحامون موقعهم داخل قاعة المحكمة، وإذا كانت بين أياديهم أدلة البراءة فلماذا يحرقونها فى وسائل الإعلام قبل طرحها أمام هيئة المحكمة؟ أليس هذا هدفه تشكيل رأى عام ضاغط؟ سيقول البعض إن منع النشر سيحول دون كشف فضائح قد تمس الكثيرين، وهذا مردود عليه بأنه لا شىء يمكن إخفاؤه، وكل شىء سيكون متاحاً للجميع بعد حكم المحكمة. نحن أمام فريسة، الكل ينهش فيها، فرقعات إعلامية وإثارة ومصالح مادية وفساد، فلماذا لا نحفظ للمتهمين حقوقهما فى محاكمة عادلة دون انتهاك خصوصياتهما، ونمنح المحكمة فرصتها لإصدار حكمها القانونى، وبعدها ليقل كل واحد ما يشاء. تأملوا معى مشاجرة المحامين أمس الأول، فى قضية المدرس الذى ضرب تلميذاً فقتله، الخناقة كانت على وسائل الإعلام، كل واحد يريد أن يتحدث أكثر من أجل الظهور الإعلامى وليس مصلحة موكله. تأملوا معى أيضاً جلسة أمس الأول فى قضية مقتل سوزان تميم، والتى كانت بدون كاميرات ومحظوراً فيها النشر، لقد غاب محامو الشهرة والفرقعة الإعلامية والسياسية، وركز المحامون الموجودون فيما بين أيديهم من أوراق وأدلى الشهود بشهادتهم فى هدوء، ومارست المحكمة دورها بدون صخب أو ضغوط. نحن لسنا أمام محاكمة سرية، فكل الإعلام يحضر ويسمع ويشاهد، كل ما حدث أننا حُرمنا - مؤقتاً - من نميمة يومية توافرت فيها كل مقومات الإثارة، جنس، مال، وسلطة، ولكن هذا الحرمان، فى هذا المناخ الإعلامى الصاخب، والمغرض أحياناً، هو السبيل إلى كشف الحقيقة، ونحن فى النهاية، شعباً وقضاة، لا نبغى إلا الحقيقة، فإذا كان هذا الحظر - المؤقت - هو السبيل إليها فأهلاً به!! [email protected]