كل محب للسادات، بل كل معارض له، سوف يجد نفسه مختلفاً بنسبة مائة فى المائة، مع الدكتور محمود جامع، الذى قال كلاماً، فى حوار مع صحيفة «صوت الأمة» هذا الأسبوع، يسىء إساءة بالغة للرجل الذى رحل عنا، منذ 27 عاماً، ولزوجته، ولأبنائه! وحسناً فعل الدكتور جامع، حين نشر تكذيباً واضحاً فى «المصرى اليوم» أمس لما قيل على لسانه، فى حق زعيم بحجم السادات، وفى حق بطل، بكّى المستشار الألمانى هليموت شميت بالدموع، أواخر سبتمبر الماضى، حين استضافوه على تليفزيون بلاده، وسألوه عن أكثر الرجال الذين أثروا فيه، وتأثر بهم فى حياته، فقال والدموع تملأ عينيه: إننى أفتقد مع العالم كله رجلاً اسمه أنور السادات.. أفتقد رجلاً تعلمت الكثير منه، ومن بين ما تعلمته أن روح الأديان السماوية واحدة، وأن مقاصدها سامية وواحدة، وأنها كلها تدعو للسلام، وتسعى إليه بين البشر.. ثم قال شميت، الذى كان يحتفل بعيد ميلاده التسعين: لم يأت زعيم، فى القرن العشرين، فى قامة السادات، وفى جسارته، وفى بصيرته، وعمق نظرته! مثل هذا الرجل، الذى تحدث عنه شميت، كان، كما نعرف جميعاً، ريفياً خالصاً، ولم يكن يجد راحته، إلا فى قريته ميت أبوالكوم، وعاش إلى أن مات يدعو إلى أخلاق القرية بين المصريين، وهو إذا لم يكن قد استطاع أن ينشر هذه الأخلاق، كما كان يريدها بيننا، فقد كان قطعاً حريصاً على أن تكون راسخة فى بيته، ولا يتصور أحد أن الواقعة، التى أشار إليها الدكتور جامع، فى حواره، يمكن أن تقع، فهى إذا كانت قد وقعت افتراضاً إنما تظل صادمة، ولا يجوز مع ذلك أن تقال، أو أن ننشرها بين المواطنين تحت أى ظرف.. فما بالنا، إذا كان بيت السادات بما نعرفه عنه، يستحيل أن يكون مكاناً لأى شىء يصطدم بأخلاق رجل ريفى بسيط، قبل أن يكون رئيساً للدولة. لقد سمعت من مسؤول كبير سابق، كان صاحب مكانة خاصة لدى السادات، وكان ولايزال من بين السياسيين الكبار، أنه صادف السيدة جيهان السادات، منذ شهور، فى حفل أقامه أحد الأصدقاء، وأنها كانت موضع حفاوة بالغة من الجميع، وأنها حين قامت لتنصرف، أصر على أن يرافقها إلى باب سيارتها، فلما أدهش هذا التصرف بعض الحاضرين، قال الرجل ما معناه إنه كان يفعل هذا علناً فى حياة السادات، احتراماً له، ولها بصدق، وعن قناعة وإيمان، فلماذا لا يفعله بعد رحيل بطل الحرب والسلام؟! شىء من هذا، أظن أن الدكتور جامع، الذى أحبه وأقدره، لايزال فى حاجة إلى أن يتأمله، فما كان يجب ألا يقوله فى حياة السادات، أولى بألا يقال فى غيابه، خاصة أن 27 عاماً مضت على غياب السادات، لم نسمع خلالها عن هفوة.. مجرد هفوة، وقع فيها ابنه الوحيد، أو بناته، أو زوجته.. فجميعهم أكثر الناس تمسكاً بما كان هو يحب أن يراهم عليه.. وكانوا ولايزالون مثالاً للالتزام. السادات.. كم كان عظيماً ذلك الرجل!