إن الأسى الأكثر قهرا فى عالم نحياه أن تعيش ألما لم تصنعه بنفسك ولكن قد صنعه بك غيرك، وأن الألم الأشد مأساة أن تمنع حقك ويسفه قرارك، بل أن القهر المضحك أن تعطى هذا الحق هبة ومنحة .. عن الحرية فى بلادى أتحدث. بلاد قدر أهلها أن يكونوا فى رباط إلى يوم القيامة، بلاد كلها خير، وأمرها شكر، وحالها بين نهب وفقر، تغيرت إلى نظام يحكم وفقط، لايوجد شعب فليس بإمكانك أن تسمى طائفة من المحكومين شعبا، وأنى له هذا وقد فقد حريته وقراره فى الاختيار. قد أكون قاسيا لكن غير متجن، فتلك هى الحقيقة تتجلى فى كل شىء ولا نستثنى منها أى شىء، واضحة فى أبسط صورها فى عدم قدرتك على ممارسة حقوقك السياسية وفقا لحريتك الشخصية ولا أستطيع أن اقول التى كفلها لك الدستور، فالدستور بدوره مفصل عاجز، يمثل إرادة حاكم و لا يعبر عن إرادة محكومين، أن أوضح صور المشاركة السياسية وممارسة الحقوق السياسية هى الحق بالتصويت والانتخاب لاختيار من يحكم ومن ينوب عنك، وحقيقة الأمر أن أية إنتخابات بلا ضمانات تقوم على الحرية كحق أصيل للمواطن، حرية غير مشروطة فلا يمكن أن نطلق عليها إنتخابات بل يمكن أن نسميها أى شىء آخر، ولك مطلق الحرية فى أن تسمها ما تشاء, ولن أتطرق إلى تزويرها أو تزييف إرادة الناخبين فكل هذا من مستهلك الكلام والراسخ لدينا، إنما أذهب إلى نتيجة أفرزتها تلك القواعد الراسخة وأنتجتها تلك الاستخفافات بنا كبشر، وهى تزوير المرشح نفسه، فإن تفكير شخص ما أن يكون ممثلا للناس نائبا عنهم فى مجلس تشريعى وهو يعلم أن الناس ليس لها حرية الاختيار ويعلم أنه أبعد من أن يكون لمثل هذا الدور؟ حتى أنه لا يعلم ماهية الدور ذاته، فذلك مبلغ التزوير. إن حرية الاختيار حرية مطلقة، غير مشروطة، حق أصيل للإنسان، هبة الله لخلق الله، لا لأحد من العالمين أن يهبها أحد أو أن يسلبها إياها، وإن لم تكن مطلقة فلا حاجة لنا بها، وإن كان فقدها بمثابة الموت، وما يراد بإنسان ميت؟ أفلا تعلم أن هذه بلادى؟ صبحى درهاب