عمرو عابد يكشف سر عدم تعاونه مع أبطال «أوقات فراغ»    قوافل علاجية ومعرض للمشغولات اليدوية لأسر الأشخاص ذوي الإعاقة    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    غدا، نظر 300 طعن على المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    «الزراعة» تنفذ أكثر من 1800 نشاط إرشادي متنوع لخدمة أكثر من 47 ألف مزارع ومربي    نظام «ACI».. آلية متطورة تُسهل التجارة ولا تُطبق على الطرود البريدية أقل من 50 كجم    رئيس «القابضة للمياه» يجري جولات موسعة ويتابع أعمال التشغيل والصيانة بمحطة الجيزة    وزير الإسكان يتفقد مشروع «سكن لكل المصريين» والمدينة التراثية بالعلمين الجديدة    رئيس البرلمان العربي يرحب بموقف الصين وفرنسا الداعي لتنفيذ حل الدولتين    تسريب مكالمة «ماكرون– زيلينسكي» تعيد فتح ملف الخلافات داخل المعسكر الأوروبي    خروقات إسرائيل مستمرة.. استشهاد مسنّة وابنها برصاص الاحتلال شرق مدينة غزة    "الشرع": سوريا تعيش حاليًا في أفضل ظروفها منذ سنوات.. وإسرائيل تصدّر الأزمات إلى الدول الأخرى    سفير الإمارات بمصر: نفخر بما يربط القاهرة ودبي من علاقات أخوية راسخة    كأس العرب| الجزائر يتقدم على البحرين بثلاثية في الشوط الأول    الشوط الأول| بايرن ميونخ يتقدم على شتوتجارت في الدوري الألماني    العثور على فتاة متغيبة بالشرقية بعد تداول منشورات عن اختفائها    15 سنة خلف القضبان.. نهاية تاجر السموم بالخصوص    ضبط عاطل اعتدى على شقيقته بالمرج    وكيل بيطري الشرقية: استدعينا فرق تمشيط من بحيرة ناصر للبحث عن التماسيح    الحبس شهر وغرامة 20 ألف جنيه لمساعدة الفنانة هالة صدقي بتهمة السب والقذف    بعد إعلان أحمد سعد.. إنجي كيوان تواصل تصوير «وننسى اللي كان»    هذا هو موعد عرض فيلم الملحد في دور العرض السينمائي    قبل بداية عرض فيلم الست.. تصريحات سابقة ل منى زكي دفاعا عن تنوع أدوار الفنان    سفيرة واشنطن: تنمية إسنا مثال قوى على نجاح الشراكة المصرية - الأمريكية    هيئة الكتاب تهدي 1000 نسخة من إصداراتها لقصر ثقافة العريش    عاجل استشاري أمراض معدية يحذر: لا تستخدم المضادات الحيوية لعلاج الإنفلونزا    الجمعية العمومية لنقابة المحامين تقرر زيادة المعاشات وتناقش تطوير الخدمات النقابية    لماذا يزداد جفاف العين في الشتاء؟ ونصائح للتعامل معه    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    موعد مباراة أتلتيكو مدريد ضد أتلتيك بلباو والقناة الناقلة    مواعيد مباريات دوري كرة السلة على الكراسي المتحركة    احذر.. الإفراط في فيتامين C قد يصيبك بحصى الكلى    الشرع: إسرائيل قابلت سوريا بعنف شديد وشنت عليها أكثر من ألف غارة ونفذت 400 توغل في أراضيها    خمسة قتلى بينهم جندي في اشتباك حدودي جديد بين أفغانستان وباكستان    المرحلة النهائية للمبادرة الرئاسية «تحالف وتنمية»: قبول مبدئي ل9 تحالفات استعدادًا لتوقيع البروتوكولات التنفيذية    15 ديسمبر.. آخر موعد للتقدم لمسابقة "فنون ضد العنف" بجامعة بنها    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    الإعلان التشويقى لفيلم "القصص" قبل عرضه فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى    فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال يحصد 65 مليون جنيه خلال 24 يوم عرض    الزراعة توزع أكثر من 400 "فراطة ذرة" مُعاد تأهيلها كمنح لصغار المزارعين    وزراء خارجية 8 دول يرفضون أي خطة إسرائيلية لفتح معبر رفح باتجاه واحد    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    بكم الطن؟.. سعر الحديد اليوم السبت 6 -12-2025    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    تحليل فيروسات B وC وHIV لمتعاطي المخدرات بالحقن ضمن خدمات علاج الإدمان المجانية في السويس    حارس بتروجت: تتويج بيراميدز بإفريقيا "مفاجأة كبيرة".. ودوري الموسم الحالي "الأقوى" تاريخيا    محافظ الشرقية يتابع الموقف التنفيذي لسير أعمال إنشاء مجمع مواقف مدينه منيا القمح    اندلاع حريق ضخم يلتهم محتويات مصنع مراتب بقرية العزيزية في البدرشين    وزير الأوقاف: مصر قبلة التلاوة والمسابقة العالمية للقرآن تعكس ريادتها الدولية    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    التخصصات المطلوبة.. ما هي شروط وطريقة التقديم لوظائف وزارة الكهرباء؟    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    بيراميدز يسعى لمواصلة انتصاراته في الدوري على حساب بتروجت    استكمال محاكمة 32 متهما في قضية اللجان المالية بالتجمع.. اليوم    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شباب «التُربية» يتحدثون: «اقروا الفاتحة لما تدخلوا وماتنسوش الحسنة بتاعتنا»
نشر في المصري اليوم يوم 22 - 09 - 2010

يعمل فى منتصف نهار الصيف الحار، فى مكان لا يعرف الظل والهواء، انتهى هو وزميله من حفر وفتح تربة فى مدافن السيدة نفيسة استعداداً لاستقبال وإنزال متوفى آخر، ثم وقف فى انتظار التربى ليقوم بالإشراف على عملية الدفن، «ياسر طه» شاب لم يتجاوز 22 سنة، يعمل صبى تربى منذ 4 سنوات، ورث المهنة عن والده.
«ياسر» مثل عدد من الشباب، الذى قرر لكى يبدأ حياته أن يكون شريكا فى مشهد النهاية لحياة آخرين، يعمل صبى تربى، ويعمل أقرانه فى المهنة ذاتها لأسباب متعددة، أهمها لقمة العيش وتأمين مستقبل يكفل لبعضهم الزواج وربما السكن داخل الحوش، إلا أن «ياسر» لن يتمتع بهذا المسكن المضمون، لأن والده لم يكن صاحب مدفن أو حوش، والتعيين فى مهنة التربى يأتى بالوراثة، حيث يرث الابن مدفن أبيه وهكذا، لم يكن أمامه سوى البقاء كصبى تربى وهو يحلم بأن يستقل بعمله، ومع ذلك يؤكد «ياسر» أن صبى التربى هو المسؤول عن كل شىء، فيما عدا تسلم النقود ومفتاح المدفن «إحنا اللى بنعمل كل حاجة، نفتح التربة وننزل الجثمان وندفنه، التربى بس موجود كده. وفى الآخر ياخد هو 150 جنيه ويدينى 20 جنيه».
يحكى «ياسر» عن عمله السابق بمصنع حلويات، واتجاهه للعمل بمهنة أبيه لأنها تدر عليه دخلاً أفضل «طبعا الواحد ماينفعش يشتغل مع تربى واحد، أنا وزميلى ده شغالين مع 6 تربية، نيجى كل يوم الصبح نقعد نستنى الشغل. نفسى أشتغل شغل تانى، لكن زى ما انتى شايفة شغلنا ده مالوش مواعيد فصعب، إحنا بنستنى قضاء ربنا». بالرغم من صغر سنه وخبراته الحياتية إلا أن ياسر لا يخاف مما يسمع من قصص، بل يحكى عن واقعة نادرة تعرض لها هو شخصيا أثناء دفنه لسيدة «بعد ما نزلناها المدفن تحت صحيت وقعدت تفك الرباط اللى عليها وتصرخ وتقول عايزة ميه عايزة هوا. أنا وزميلى ما اتخضيناش بالعكس احنا فرحنا لها، لكن بعد ما قامت وولادها أخدوها المستشفى رجعت تانى بعدها بمفيش، نصيبها كده بقى»، ويضيف «ياسر» أن أغلب التربية رجال كبار فى السن فيما عدا قلة معينة، وأغلب الصبيان شباب، لأن صبى التربى يجب أن يتمتع بصحة جيدة حتى يستطيع تحمل العمل البدنى.
يعمل «محمد محمد على» 30 سنة، فى مدافن الغفير منذ بلوغه سن الثانية عشرة، وكحال أغلب العاملين بالمهنة، تعلمها «على» من والده، ترك «على» المدرسة بعد عام واحد قضاه فى التعليم الإعدادى وبدأ فى العمل بالمدافن، وبمرور السنوات أصبح تربياً مثل والده.
عمل «على» أيضا بالعديد من المهن الأخرى، من بينها سائق «اشتغلت كذا حاجة، ولحد دلوقتى باشتغل حاجات تانية جنب التربى، لأن شغلانة التربى لوحدها ماتفتحش بيت، فين وفين على ما ييجى لك زبون، وممكن تقعد بالسنة مفيش زبون واحد». ويقول «على» إنه على عكس محافظة الإسكندرية، لا يوجد تسعيرة للتربى فى القاهرة. ولكن الأجر المتعارف عليه لا يقل عن 150 أو 200 جنيه، ويزيد على حسب أهل المتوفى.
«على» متزوج ولديه طفلان، ولد وبنت، ولكنه ينوى أن يكمل تعليم ابنه، ولا يورثه المهنة إلا إذا وقع اختياره عليها بدون أى إجبار «مش مسألة بحبها ولا مابحبهاش، أنا اتولدت لاقيت أبويا تربى واتعلمت وبقيت تربى. وبعدين هو فيه شغل تانى بره؟! صحيح شغلانة التربى مالهاش دخل ثابت، لكن أهى مضمونة». ويتدخل والد «على»، وأحد أهم التربية فى المنطقة، ويقول «فيه كتير معاهم مؤهلات لكن مالاقوش شغل بره فرجعوا ورثوا المهنة عن أبهاتهم واشتغلوا تربية»، ويكمل «على» أن التربى يعين بواسطة الدولة، ومع ذلك الدولة لا تتكفل به ولا يصل أبدا لسن معاش، يعنى التربى موظف من غير ماهية، موظف شحات فى مهنة مالهاش مستقبل».
فى مدافن باب الوزير، جلس «برجو فسبه»، الذى رفض ذكر اسمه الحقيقى، أمام أحد المدافن بجانب الفسبه التى يمتلكها، فعلى عكس ياسر، «برجو» ظروفه المالية والاجتماعية تبدو أفضل حالا، «برجو» 22 سنة، خريج معهد ضباط لاسلكى، ولد وتربى فى الباطنية لكنه يسكن حاليا بمدينة نصر، يعمل «برجو» تربيا، وسائق أتوبيس مدارس، وجزاراً فى المواسم فقط.
«برجو» ورث المهنة عن والده كما جرى العرف، ولكنه لا يستطيع الاعتماد عليها كليا «اللى يقعد على شغلانة التربى لوحدها يموت، وأنا بحب أعيش وأروح الجيم مع أصحابى»، لذلك يعمل مع والده وعائلته فى مجالات أخرى، لم يحاول «برجو» قط العمل بشهادته ويقول إنه لولا أهله لما حاول الحصول عليها منذ البداية «أهلى كانوا عايزينى يبقى معايا أى شهادة والسلام فقلت أريحهم».
يأخذ التربى – على حد قول «برجو»– من 120 ل250 جنيهاً على حسب ظروف أهل المتوفى، وأحيانا لا يأخذ أى أجر بل قد يوفر مدفناً للأهالى الفقراء، «أصل أغلب أصحاب المدافن هنا من الدراسة ومنشية ناصر والحسين، فبتحصل إن واحد ييجى معهوش يدفن أبوه أو أمه، فبدفنه من غير أى أجر». ويضيف «برجو» أن كل تربى مسؤول عن مدافن معينة، والتربية عادة معروفون فى المدافن بالاسم، فلا يحدث تعارض بين المصالح، وأنه أحيانا يمر بالأسبوع وأحيانا أخرى عدة أشهر دون أى عمل، وأن الأعياد عادة تكون مواسم للتربية، لأن الكثير يأتون للزيارة، والتربى يقوم بكنس وتنظيف الحوش وخدمة الزائرين فى مقابل مبلغ من المال.
لا يخاف «برجو» من الترب، ويقوم أحيانا بالدفن فى الليل إذا لزم الأمر «أنا لو الجثة بتكلم نفسها برضه هادفنها يعنى هاكل منين؟!، أنا أسمع من أبويا وجدى إن زمان كان فيه عفاريت، لكن خلاص دلوقتى المكان بقى زحمة وعلى طول فيه الناس فمفيش عفاريت».
بحكم الوقت اعتاد «برجو» مشهد فتح المدفن والنزول أسفل، وأصبح لا يخافه، ولا يصيبه بأى شىء. وإن كان أحيانا يشعر ببعض القشعريرة و«التنميل» كما يقول. ويضيف «برجو» أنه بكى مرتين على اثنين قام بدفنهما، واحد منهما كان جثة طفلة صغيرة، ويكمل «برجو» أنه يقوم بدفن السيدات والرجال على حد سواء، ولا يؤمن ب«كلام السنية»، لأنهم كما يقول «بيحللوا ويحرموا على مزاجهم».
يعلم «برجو» أن مهنة التربى لا تلقى استحسان المجتمع، ومع ذلك فهو يعتبرها وساماً على صدره ولا يخجل منها «بلد بتاعة مظاهر وشهادات.. لكن أنا لو رحت أتقدم لواحدة وخافت أو اتضايقت من الشغلة دى يالا تمشى بالسلامة، ما هى كده كده آخرتها هنا.. وبعدين أنا ناوى أتجوز وأعيش وأموت هنا». ومع ذلك يقول «برجو» إنه لا ينوى توريث المهنة لابنه، لأنه يتمنى له «شغلة أحسن».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.