منذ سنوات رفضت الرقابة المصرية عرض الفيلم الأمريكى «قائمة شندلر» من إخراج «ستيفن سبيلبيرج» وكانت دعاوى الرقابة آنذاك أن الفيلم يؤكد دعاوى اليهود فيما يخص الهولوكست ومعسكرات التعذيب، وهى دعاوى لم تثبت صحتها تاريخيا، ومن الممكن أن تسبب بلبلة للجمهور! ويبدو أن الجمهور الآن قد بلغ سن النضج فى عين الرقابة خاصة مع موافقتها على عرض فيلمين يتحدثان عن نفس الفترة التاريخية- التى أنتجت عنها السينما الياهو- أمريكية العديد من الأفلام. فيلم «التحدى» أو «الدفاع» كما هى الترجمة الأصلية مأخوذ كما تشير تيتراته عن قصة حقيقية حدثت فى منطقة بيلاروسيا الواقعة على الحدود بين الاتحاد السوفيتى وبولندا.. وذلك إبان الاحتلال النازى لأوروبا الشرقية، وعبر سرد تقليدى نتابع كيف أن ثلاثة إخوة من اليهود البولنديين هم «توفيا» و«زوس» و«إيسيل بيالسكى» استطاعوا أن يقودوا عملية هروب جماعى مستمرة طوال سنوات داخل الغابات الواقعة على الحدود البولندية السوفيتية. اعتمد السيناريو على سرد تقليدى حيث يتم رواية الأحداث بأسلوب التتابع الزمنى المتراكم دون أى فلاش باك أو تداخلات زمنية مولدا شحنة شعورية تصاعدية لدى المتفرج لا تعوقها أى قفزات فى السرد.. ومركزا فى نفس الوقت على أهم فترة فى عملية الهروب وهى الفترة الأولى التى تأسست فيها معسكرات اللاجئين داخل الغابات وعملية تأمين المآوى والمآكل خاصة مع دخول الشتاء الروسى القارص. ويحسب للسيناريو ذلك الرسم الدقيق جدا لطبيعة الشخصيات حتى أن كل شخصية تكسر قشرتها الإنسانية وتتحول إلى نموذج أو فكرة ما تعبر عما هو أبعد من الحبكة المثيرة.. ف«توفيا» الأخ الأكبر– الممثل «دانييل كريج» هو نموذج القيادة الحكيمة التى لا تلجأ إلى العنف أو الدم سوى عند الضرورة أو للأخذ بالثأر.. أما «زوس» فهو رمز القوة العسكرية أو الفكر الحربى المؤمن بالقتال والحرب على طول الخط دون مهادنة أو هرب أو اختباء.. ولذلك يترك «توفيا» وينضم إلى أحد الألوية العسكرية السوفيتية التى تقاوم النازيين على الحدود..ويبدو «إيسيل» رمز الجيل الجديد حيث رجاحة عقل «توفيا» وقوة قلب «زوس». وإلى جانب رسم الشخصيات هناك عملية الإحالة الدينية المستمرة التى تظهر بشكل مباشر جدا فى الحوار والأحداث فالأخوان «توفيا» و«زوس» يذكراننا بأهم أخوين فى التراث الدينى اليهودى (موسى ويعقوب).. بل إن «زوس» يشير بذلك صراحة فى سخرية من محاولة «توفيا» تجميع اليهود حوله، والهرب بهم، وكأنه موسى جديد يهرب من «فرعون» النازى! وينتهى الفيلم بانضمام «زوس» مرة أخرى إلى توفيا ليؤسسوا «مخيماً جديداً» ولتتضح فكرة الفيلم أكثر: فالمجتمع اليهودى الجديد كان يحتاج إلى كلا الطرفين: رجاحة العقل وقوة السلاح. إخراجيا قدم «إدوارد زويك» سردا لونيا يعتمد على غلبة اللون الأزرق البارد الذى يعطى شعورا بزرقة الموت المحيط بالشخصيات.. وفى نفس الوقت برودة الجو القارصة التى تجمد الاطراف وهو استخدام تقليدى.. واقترب كثيرا فى أغلب لقطات الفيلم من شخصياته فى كادر متوسط أو قريب، وكأنه يحاول أن يقدم بورتريها لكل شخصية.. ولم يلجأ لاستخدام اللقطات الواسعة أو البانورامية إلا فيما يخص عمليات الهرب الجماعى أو الاستعداد للمعركة.. ولكن يغلب على الشخصية البصرية للفيلم اللقطات القريبة جدا للوجوه والملامح خاصة مع أهمية أحداث التأثير المليودرامى «اليهودى» المعتاد باستعراض وجوه الأطفال والنساء والعجائز. المثير فى هذا الفيلم للمتفرج العربى هو الشعور القوى الذى يتولد لديه من رؤية معاناة هذه الجماعة اليهودية «المضطهدة» وكيف أن هؤلاء الضحايا تحولوا هم أنفسهم إلى جلادين بعد سنوات قليلة! بل إن الفيلم يحتوى على عقائد إنسانية كثيرة يمكن أن توجه رسالتها الآن إلى الفلسطينيين أنفسهم.. فالفيلم يقول على لسان «توفيا»: «إن الثأر الحقيقى من الذين يضطهدوننا ليس أن نقاتلهم بل أن نظل على قيد الحياة ولا نستسلم للموت والنسيان اللذين يريدونهما لنا فالبقاء على قيد الحياة والاستمرار فيها هو أساس المقاومة وأصل الأنتصار». ريفيو الاسم الأصلى: Defiance الاسم التجارى: التحدى بطولة: دانييل كريج– ليف شريبر سيناريو و إخراج: إدوارد زويك مدة الفيلم: 137 دقيقة