الفكر السياسى للإمام حسن البنا (ب) نواصل ما جاء فى مؤتمر طلاب الإخوان المسلمين عام 1938 استكمالاً لنقطة السياسة والإسلام، فقد صرح حسن البنا: إن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًا بعيد النظر فى شؤون أمته، مهتما بها غيورًا عليها، وأستطيع كذلك أن أقول إن هذا التحديد والتجريد أمر لا يقره الإسلام، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع فى رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمتها السياسية وإلا كانت تحتاج هى نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام . وقال: إنه إذا أريد بالسياسة تنظيم أمر الحكم وبيان مهماتها وحقوقها وواجبها ومراقبة الحاكمين والإشراف عليهم ليطاعوا إذا أحسنوا وينقدوا إذا أساءوا، فالإسلام قد عُنى بهذه الناحية . وكان للأستاذ البنا رأى سيئ فى الحزبية، فقال: إن لى فى الحزبية السياسية آراء هى لى خاصة ولا أحب أن أفرضها على الناس فإن ذلك ليس لى ولا لأحد، ولكنى كذلك لا أحب أن أكتمها عنهم، وأرى أن واجب النصيحة للامة وخصوصًا فى مثل هذه الظروف يدعونى إلى المجاهرة بها وعرضها على الناس فى وضوح وجلاء . إن الحزبية السياسية إن جازت فى بعض الظروف فى بعض البلدان، فهى لا تجوز فى كلها، وهى لا تجوز فى مصر أبدًا، وخاصةً فى هذا الوقت الذى نستفتح فيه عهدًا جديدًا، ونريد أن نبنى أمتنا بناء قويًا يستلزم تعاون الجهود وتوافر القوى والانتفاع بكل المواهب، والاستقرار الكامل والتفرغ التام لنواحى الإصلاح . (3) وفى التقرير الإجمالى عن خطوات الإخوان فى عام 1938 و1939 والذى صدر تحت عنوان «تقرير إجمالى خاص» انتقد الأستاذ حسن البنا نظام الانتخابات السائدة وذكر نواحى القصور فيه : ما يحدثه الانتخاب فى النفوس من آثار سيئة، ولم أر إلى الآن انتخابًا واحدًا أدى إلى اختيار الأكفاء العاملين أو لم يترك أثرًا سيئا فى نفوس الآخرين أو لم يكن عرضة للمطاعن والمثالب من الذين خانهم الحظ فيه، فالانتخاب فضلا عن أنه لا يؤدى مطلقا إلى اختيار الصالح الموافق للنهوض بعبء الأعمال فهو يوغر كثيرًا من الصدور ويخلق كثيرًا من المشاكل . الحيرة بين وجاهة المراكز الظاهرة وبين حقوق الإخوان العاملين من غير ذوى المراكز، وكثيرًا ما يكون الموقف غريبًا، قوم إداريون يمثلون الجماعة ولم يفقهوا مبادئها ولا ينشطون للعمل لها، وقوم مجاهدون غيورون تهضم حقوقهم ويقيدون بخطوات أبطأ من خطواتهم وهذا سر ما نراه فى شُعب كثيرة للإخوان من وجود معسكرين مختلفين أحدهما معسكر إدارى بطىء الخطوات متعثر المسير، والثانى معسكر جاد عملى يسير مسرعًا غير مقيد بالأول ومن ذلك يكون التنافر بين الفريقين . إيجاد قسم من الإخوان كل مهمتهم قضاء وقت فى النقاش وإبداء الآراء من غير إنتاج عملى . إيجاد بعض الأفراد يحتمون بالحق الإدارى المكتسب لهم ولا يكون عن وجودهم إلا التعطيل والتشهير إذا لم تنفذ آراؤهم وإن كانت غير صالحة وإن خالفت الجماعة . وقال: فكرت طويلا فى وضع علاج حاسم لهذا الحال فاهتديت إلى خطة أعتقد أنها صالحة إن شاء الله محققة للأغراض المقصودة بدون عناء ولا ضرر، بسيطة فى إنفاذها ومضمونها وليس علينا من بأس أن نجرب ما يبدو معه وجه لإصلاح، والزمن كفيل بإظهار ما فيه من قبح أو جمال وخلاصة هذه الخطة ما يأتى : تكون لكل شُعبة من شُعب الإخوان «لجنة مراقبة عامة» مهمتها: الإشراف العام على الدائرة . حفظ الأموال والأوراق والمستندات الرسمية . مراقبة الحسابات وفتح الاعتمادات وحصر الوارد والمنصرف . توزيع الأعمال المختلفة على من يحسنون القيام بها من الأعضاء ومراقبتهم ودراسة تقاريرهم الشهرية كل فى الناحية التى يشغلها ومؤاخذة المقصر بتقصيره وشكر المحسن على إحسانه . الفصل فى الخلافات بين الإخوان . الاتصال بالمكتب العام بالقاهرة وبقية شُعب الإخوان . التمثيل الرسمى والمعنوى للجماعة . تعيين الموظفين الذين يستدعى العمل بالدائرة تعيينهم . تتكون هذه اللجنة من ثلاثة أشخاص فقط يختارهم المكتب بعد استشارة إخوان الدائرة وبعد دراسة دقيقة تتفق مع المهمة الملقاة على عاتقهم ويعين المكتب أحدهم مندوبًا للجنة يحل محل رئيس مجلس الشورى سابقا، وتختار هذه اللجنة من بين الإخوان كاتبا لها مهمته حفظ الأوراق والأختام وكتابة محاضر اجتماعاتها وتلخيص التقارير الواردة عليها وإبلاغ القرارات للمختصين بها، وليس له صوت فى الاجتماع، ولها أن تستأنس برأيه إن أرادت ذلك وتختار كذلك من بين الإخوان أمينا للمال مهمته حفظ الأموال وتسلمها بإيصالات وتسليمها بأذونات وإيداعها إذا اتفق على إيداعها فى مكان خاص وليس له حق فى التصويت كذلك وللجنة أن تستأنس برأيه إن أرادت . وقال: ولا أذيع على الإخوان سرًا إذا قلت لهم إننى منذ أول هذا العام الهجرى المبارك أعنى منذ سبعة شهور تقريبًا وعقب مؤتمر عيد الأضحى الخامس سرت فى مكتب الإرشاد العام على هذا النظام فحللت الهيئة القائمة وتحملت شخصيًا كل مسؤولية تنجم عن هذا من تصرفات ونصصت على هذا التحمل فى سجل محاضر جلسات المكتب العام . (4) وفى رسالة مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى (نظام الحكم) تحدث عن نظام الحكم حديث رجل ديمقراطى، فهو يقيم نظام الحكم على ثلاث دعائم هى : (1) مسؤولية الحاكم (2) وحدة الأمة (3) احترام إرادتها. وعن مسؤولية الحاكم تحدث عن «الوزارة» وأشار إلى وزارة التفويض كما فى النظام الديمقراطى.. الكلاسيكى، أى تكون الوزارة هى المسؤولة بينما يكون رئيس الدولة رئيسًا فخريًا، وعن وزارة التنفيذ كما فى بعض النظم الديمقراطية التى تكون السلطة فيها فى يد رئيس الدولة بالفعل كما فى الولاياتالمتحدة، وقال: إن الإسلام لا يرفضهما طبقاً لما تقتضيه المصلحة العامة، وانتهز الفرصة فأشار إلى غموض الدستور المصرى فيما يتعلق بالملك ورئيس الوزارة . أما عن وحدة الأمة فقال: إن الإسلام يفترضها افتراضًا ويعتبرها جزءًا أساسيًا فى حياة المجتمع الإسلامى، لا يتساهل فيها بحال، ورأى أن النظام النيابى يحققها، ولما كانت الأحزاب سيئة فإنه اقترح حل الأحزاب وتجميع قوى الأمة فى حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها .. إلخ . وبالنسبة للدعامة الثالثة: احترام رأى الأمة، عالج القضية الشائكة، نظام الانتخابات، ورأى أنه نظام سيئ، واستشهد بكلام الفقيه الدستورى الدكتور سيد صبرى، وكذلك د. بيومى مدكور ومريت غالى، واقترح لإصلاحه: وضع صفات خاصة للمرشحين أنفسهم، فإذا كانوا ممثلين لهيئات فلابد أن يكون لهذه الهيئات برامج واضحة وأغراض مفصلة يتقدم على أساسها هذا المرشح، وإذا لم يكونوا ممثلين لهيئات فلابد أن يكون لهم من الصفات والمناهج الإصلاحية ما يؤهلهم للتقدم للنيابة عن الأمة، وهذا المعنى مرتبط إلى حد كبير بإصلاح الأحزاب فى مصر، وما يجب أن يكون عليه أمر الهيئات السياسية فيها . وضع حدود للدعاية الانتخابية، وفرض عقوبات على من يخالف هذه الحدود، بحيث لا تتناول الأسر ولا البيوت ولا المعانى الشخصية البحتة التى لا دخل لها فى أهلية المرشح وإنما تدور حول المناهج والخطط الإصلاحية . إصلاح جداول الانتخاب، وتعميم نظام تحقيق الشخصية، فقد أصبح أمر جداول الانتخاب أمرًا عجبًا بعد أن لعبت بها الأهواء الحزبية والأغراض الحكومية طوال هذه الفترات المتعاقبة، وفرض التصويت إجباريًا. وضع عقوبة قاسية للتزوير من أى نوع كان، وللرشوة الانتخابية كذلك. وإذا عدل إلى الانتخاب بالقائمة، لا الانتخاب الفردى، كان ذلك أولى وأفضل، حتى يتحرر النواب من ضغط ناخبيهم، وتحل المصالح العامة محل المصالح الشخصية فى تقدير النواب والاتصال بهم. انتهى عرض فكر الإمام حسن البنا. فيلحظ هنا أن حسن البنا يتحدث فى رسالة «مشكلاتنا فى ضوء النظام الإسلامى» كديمقراطى أصيل، ويجب أن نذكر أن حسن البنا عاش ومات فى المرحلة الليبرالية، وأنه عايش ثورة 1919 مراهقاً وغنى أناشيدها، وأن طبيعته كانت منفتحة .. منفسحة، كما يلحظ أننا لا نرى كلمات «الشريعة» أو «الحكم بما أنزل الله»، وبالطبع الحاكمية الإلهية، بل إنه لم يجد حرجًا فى أن يستشهد بمريت غالى القبطى الذى يمت إلى أسرة «كبير الطائفة» بطرس باشا غالى. [email protected]