منذ تولى الدكتور حاتم الجبلى منصب وزير الصحة عام 2005 وهو لا يتوانى لحظة عن إثبات ولائه المطلق لاقتصاديات السوق، ولا يكاد يتخذ قرارا إداريا أو يشرك وزارته فى إعداد مشروع قانون، إلا ونشعر فورا بأن الرجل يقطع أشواطا شاسعة نحو هدفه الثابت، الذى لا يحيد عنه أبداً: «خصخصة الرعاية الصحية والخدمة العلاجية». ورغم رفضى التام والمبدئى لهذا التوجه، فإننى لا أصادر على الوزير أو على أحد غيره، إيمانه المطلق باقتصاديات السوق، ولكنى - مثل آخرين - أرفض هذا التناقض الصارخ بين أقوال الوزير وأفعاله، فهو وزير الصحة الوحيد فى العالم كله الذى أفزع مواطنيه بتصريحات كارثية عن وباء أنفلونزا الطيور، وأخطرنا بأن نستعد للموت الجماعى والدفن الجماعى دون غسل.. وهو وزير الصحة الوحيد فى العالم الذى اتخذ قراراً فى منتصف عام 2006 - بعد تفشى أنفلونزا الطيور - بغلق ثلثى مستشفيات الحميات فى مصر، ثم سارع أيضا بغلق مستشفيات التكامل وتحويلها إلى وحدات ريفية لطب الأسرة، وفى كل المرات التى اتخذ فيها الجبلى قرارات من هذا النوع، كان التبرير جاهزا، فقد دأب على وصف مستشفيات الحكومة، التى تتبع وزارته، بأنها «مقالب زبالة»، ليبرر غلقها فى وجوه الفقراء وليدفعهم دفعا إلى مستشفيات القطاع الخاص. والوزير الذى يؤمن بحرية سوق الرعاية الصحية.. لا يطيق إطلاقا حرية الرأى، وهو على استعداد للتنكيل بمعارضيه بطريقة مبتكرة تدمرهم تماما دون أن تترك أثرا يشير إلى الفاعل الرئيسى أو المحرض أو سبب التنكيل. وقد طبق الجبلى طريقته فى «التنكيل الإدارى» على كثيرين فى وزارته، كان آخرهم الدكتور محمد حسن خليل، استشارى أمراض القلب بمستشفى مدينة نصر للتأمين الصحى. والدكتور خليل - لمن لا يعرف - قامة علمية ومهنية سامقة وهو بالإضافة إلى ذلك صاحب ضمير يندر أن تجد له مثيلا بين أطباء هذا الزمان. فقد قرر الرجل بعد حصوله على الدكتوراه عام 1998 ألا يفتتح عيادة خاصة وألا يمارس عملا طبيا فى مستشفى خاص أو استثمارى، وأن يتفرغ تماما للعمل فى قسم القلب بمستشفى مدينة نصر للتأمين الصحى، وفى عام 2000 تم تعيينه رئيسا لقسم القلب، وارتبط اسمه بإنجازات هائلة فى هذا القسم، من بينها إجراء ما يزيد على ألفى قسطرة تشخيصية وعلاجية لمرضى القلب سنويا.. وبناء قسم قلب حديث يدمج بين الخدمة العلاجية والبحثية والتعليم والتدريب.. وهى إنجازات أهلته للحصول على شهادة الطبيب المثالى عام 2007 من نقابة الأطباء. ولأن الدكتور خليل كان واحدا من أوائل من انتبهوا إلى مخطط خصخصة التأمين الصحى، ولأنه سارع بالاشتراك فى تأسيس لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، التى رفعت شعار «ضد خصخصة التأمين الصحى»، فقد صدر قرار - صامت - بعزله من رئاسة قسم القلب فى 5 يونيو 2007، وهو اليوم نفسه الذى شارك فيه فى وقفة احتجاجية أمام مجلس الشعب ضد مشروع قانون التأمين الصحى الجديد. وفى سبتمبر 2008 صدر قرر آخر بحرمانه من إجراء القساطر القلبية - مما يعنى حرمانه من 80٪ من دخله - وفى يوليو 2009 تم تجديد عقود كل الاستشاريين بقسم القلب باستثناء طبيب واحد هو الدكتور محمد حسن خليل. ثم امتد مسلسل التنكيل الإدارى إلى ابنته الطبيبة بالمستشفى ذاته، حتى تم إرغامها على الاستقالة وتم إلغاء عقد زوجته استشارية تحاليل عينات نخاع العظم، مما أفقدها أكثر من نصف دخلها من المسشفى. كل هذا التنكيل لمجرد الاعتراض على مشروع قانون التأمين الصحى.. فأى خير ننتظره إذن من هذا المشروع؟ [email protected]