منذ قام الرئيس مبارك بإطلاق الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام بعد ثمانى سنوات من العقوبة التى قدّرتها عليه محكمة الجنايات بالأشغال الشاقة خمسة عشر عاما، وذلك بمقتضى صلاحياته الدستورية لم يكررها ثانية، غير الإفراج الصحى الذى أمر به ووافق عليه المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام المصرى وأطلق بمقتضاه الدكتور أيمن نور، زعيم حزب الغد. ولا شك أن قناعات الناس أن ذلك ما كان ليحدث لولا موافقة الرئيس مبارك شخصيا عليه، خصوصا أنه جاء بعد معلومات صحفية نشرتها واشنطن بوست هاجمت خلالها الرئيس مبارك قبيل زيارته واشنطن واتهمته بقمع الحريات فى مصر، فى إشارة واضحة لقضية سجن أيمن نور. انتهج الرئيس مبارك فى بداية حكمه خطوات إصلاحية واعتمد سياسة المصالحة، مثله فى ذلك مثل الرئيس السادات، فكلاهما اعتمد سياسة المصالحة والموادعة مع الخصوم السياسيين للنظام وخصوصا الإخوان المسلمين. قام السادات بخطوات إصلاحية جذرية أنهت حقبة عبدالناصر وأبدى رغبة فى إنهاء السجون والمعتقلات السياسية وأطلق الإخوان من سجونهم، وهكذا فعل الرئيس مبارك عندما أطلق مَنْ اعتقلهم السادات بموجب قرارات التحفظ الشهيرة ب»قرارات سبتمبر«، بل استقبل مبارك فى مقر الرئاسة عدداً من السياسيين والرموز الوطنية فور الإفراج عنهم، وهو ما استقبله الشارع المصرى بالرضا والبشر والترحاب. كانت خطوات المصالحة ومحاولة بناء جبهة داخلية متماسكة واضحة فى الإجراءات التى يتخذها مبارك فى الفترة الأولى لحكمه، كان واضحا محاولته الانفتاح على الشعب وقواه الوطنية المختلفة، لم ننس بعد دعوته إلى الطهارة، ودعوته لانعقاد المؤتمر الاقتصادى الأول ومؤتمر العدالة الأول، وإسناده وزارة الداخلية لوزير شهد له الجميع بنظافة اليد والاجتهاد فى تطبيق القانون بعيدا عن السياسات القمعية، وأعنى به طبعا اللواء أحمد رشدى وخلو المعتقلات من ساكنيها، بل أذكر لمبارك أيضا موقفا له مغزى بعد تولى اللواء زكى بدر وزارة الداخلية عندما بادر مخبر سرى لمباحث أمن الدولة بأسيوط بإطلاق النار على طالب بجامعة أسيوط كان يقوم بلصق إعلان لمحاضرة يلقيها الدكتور عمر عبدالرحمن ويدعى «شعبان راشد»، حيث أمر الرئيس مبارك بنقل الطالب المصاب فورا بطائرة خاصة إلى مستشفى المعادى للقوات المسلحة، ولما توفى الطالب متأثرا بإصابته أمر الرئيس مبارك بأداء والد الشهيد ووالدته فريضة الحج، كنت أنظر لهذا التصرف على أنه باعث على التفاؤل ولو أحسن أصحاب الشأن التعاطى معه لجنبنا البلاد والعباد موجات متواصلة من العنف والدماء والقتلى لكن قدر الله وما شاء فعل. لست من الذين ينبشون فى الماضى وينكئون جراحاً اندملت، اللهم إلا بالقدر الذى يجدى فى تجاوز أزمات الحاضر ومن ثم الانطلاق فى أفق المستقبل. الحاضر يكاد ينطق مطالبا الرئيس مبارك بخطوات إصلاحية فى مسار العلاقة بالتيار الإسلامى، وهو جزء لا يتجزأ من الأمة المصرية خاصة فى ملف حقوق الإنسان، على الأقل من زاويته الإنسانية. الحاضر يجزم بأن هناك تدابير وإجراءات لا ينبغى النظر إليها فى إطار التمييز أو الصفقات، وإنما فى إطار إنسانى محض تبرره القوانين واللوائح المنظمة تحتاج إلى العدل والمساواة بعيدا عن أى خصومات فكرية أو أيديولوجية أو عقائدية. لقد أفرج السادات عن خصومه من مراكز القوى الذين حاولوا الخروج عليه وحاكمهم، وصدرت أحكام قضائية من محكمة استثنائية بمصادرة حريتهم سنوات أفرج عنهم بعدها ولم يُنقص هذا من السادات بل أضاف إليه. وفى الذاكرة تصرفات حكيمة من الملك الراحل حسين بن طلال الذى ذهب بسيارته واصطحب من محبسه المهندس ليث شبيلات الذى حوكم أمام محكمة عسكرية أدانته بالإساءة لمقام ملك الأردن وذهب به لبيته بالسيارة الملكية وكسب الملك حسين كثيرا بهذا التصرف الإنسانى، كما أصدر عفوا ملكيا عن عدد كبير من الإسلاميين فى السجون بعد الحكم عليهم فى قضايا تتعلق بقلب نظام الحكم. فى السجون المصرية حاليا عدد محدود اقتصر على قليل من الذين يقضون أحكاما فى قضايا نظرها قضاء استثنائى، بل منهم من قضى أكثر من محكوميته، لا توجد أى خطورة من الإفراج عنهم، ولو طبقنا المعيار الذى اتبعه النائب العام بالإفراج عن الدكتور أيمن نور فسنجد أن عبود الزمر مصاب أيضا بضغط الدم والسكر، وسوف نجد مجدى سالم مهدداً بفقد بصره، فضلا عن مرضه بالضغط والسكر ويعانى من مرض مزمن بالعمود الفقرى يكاد يقعده، هناك آخرون- لا أذكر أسماءهم- يعانون أمراضا حقيقية يحتاجون معها إلى رعاية طبية، خاصة وقد قضوا فترات العقوبة كاملة أو ثلاثة أرباع مدة العقوبة، واللوائح المنظمة تسمح بالإفراج عنهم، ولا مجال للتزيد باستثناء الإسلاميين المحكوم عليهم فى قضايا أمن الدولة من القرارات الجمهورية أو الوزارية التى تصدر فى المناسبات الدينية أو الوطنية بالإفراج عن المسجونين طالما أنهم يتمتعون بذات الأسباب التى تبرر الإفراج عنهم لحسن السير والسلوك وغيرها من الأسباب. إن سجيناً مثل الدكتور طارق الزمر حصل على درجة الدكتوراه فى القانون وهو داخل السجن.. ألا يعد هذا سببا كافيا للسلطات المختصة للإفراج عنه؟ إن كثيرين من الإسلاميين السجناء حصلوا على مؤهلات عليا أثناء وجودهم داخل السجون مما يشى بحسن سلوكهم وحقهم فى تطبيق قواعد العدالة عليهم أيضا بالإفراج. هل يفعلها الرئيس مبارك؟