حمزة فى أيام عمره الأولى.. نظراته خارج التركيز.. يداه تتعلقان بأصابعى كعصفور يخاف السقوط.. قدماه تضربان فى الهواء بلا هدف أو بهدف يعلمه خالقه. هل أخبره بأحلامى ليحققها لناس مصر البسطاء الذين لا يملكون سوى وجودهم ولم يتأكدوا من غدهم؟ هل ألحقه يسدد إلىّ بصره ويبتسم ويتعجب ويقفز فى حضنى وأعلمه حرف الراء بلا لثغة؟ لا أعتقد فأنا فى منتصف السبعينيات وحمزة فى أيامه الأولى. قال لى صديق ولم لا؟ لقد نجح العلم فى تقدم العمر! وأجد الإجابة.. تقدم العمر مع الضغط والسكر.. وإسرائيل الكبرى.. هيهات! مستحيل أن ألحق بعقل حمزة يفهمنى!! ولسانه ينطق اسمى وخطاه تمشى بجانبى تتعلق بعصاى وتقلد مشيتى المتعثرة الذاهبة بصعوبة. ماذا أقول لحمزة؟ لو لحقت بسنواته الأولى.. هل أقول له كان النيل جميلاً مهيباً يجمعنا حوله ولا يمضى دون أن يروينا ويسقى الأرض حتى ينضج القمح فى الحقول وتخرج لوزات القطن قلبها الأبيض.. ورزقاً للناس من قلب النيل؟ هل أقول له لقد عز الماء كما يعطى الحبيب ظهره للحبيب؟ ماذا أقول لحمزة وهل يفهم قولى ويعيه عن شعب بنى حضارة وحطمها بنفسه؟! ونسيها فى العوز إلى الخبز والدواء؟ ماذا أقول لحمزة عما حدث لناس مصر الذين نخر فيهم الفساد من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى وأصبح الشرف ندرة والوفاء كلمة فى القاموس والنهم للمال دستوراً! ماذا أقول لحمزة عن الوطن الغائب فى الأيام الماضية التائه فى الأيام المقبلة! بماذا أحلم لحمزة والمستقبل لا أحلام له ولا أمل فيه.. ماذا أعلّم حمزة.. والخضوع والاستسلام هما الدرس الأول والأبجدية التى ثبتت نفسها فى ناس الوطن! ماذا أقول لحمزة وحتى التاريخ لم يعد ملكاً لنا وإنما استباحه أصحابه ودخل فى دهاليز التجارة والدعارة السياسية! ماذا أقول لحمزة حينما يكبر؟ وينظر حوله.. فيرى العراة من كل نوع.. عراة الأجساد وعراة الأخلاق.. عراة النفوس.. وعراة من وطن لا يحلمون له! ماذا أقول لحمزة؟ حتى ينتمى للوطن.. بعد أن اختبأ الوطن فى دهاليز الفساد وابتسامات الرياء والخداع؟ ماذا أعلّم حمزة؟ والعلم أصبح عملة مزيفة!! أى كلمات أعلمها لحمزة لينطقها؟ لو علمته الفضيلة لأعمت عينيه عن واقعه الذى لا يعرف الفضيلة.. ماذا أقول لحمزة عن المساجد التى عشش فيها من يقتلون الإسلام مع كل أذان! ماذا أقول له عن صاحبه الذى أخذ عنه اسمه؟ هل أقول عم الرسول الشجاع الذى أسلم ليحمى الرسالة قبل أن يعرفها لأنه يعرف صدق الرسول وفكر الرسول وأدب الرسول! هل سيفهم إسلام حمزة؟ لو سألنى لماذا حمزة؟ ماذا أقول والرمز فى الاسم وضاعت الرموز وبقيت الحروف! ماذا أقول له لو سألنى عن المئذنة؟ هل أقول له إنها كانت للدعوة فأصبحت مفرغة من الدعوة؟ ماذا أقول لحمزة عن جيراننا الجدد وكيف استباحوا الأرض ومن عليها والعالم يدعو لهم بالثبات والاستقرار ومزيد من الجرائم حتى يحققوا حلم إسرائيل الكبرى؟ ماذا أقول لحمزة عن القدس؟ هل أقول ليس لنا فيها مكان بعد أن عشش فيها الغربان برعاية عالمية؟ ماذا أقول لحمزة عن الإسلام؟ هل أقول له إن الإسلام أصبح يختبئ فى ذقون المتطرفين وخلف نقاب النساء؟ هل أقول لحمزة إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بكتاب من الله تركه الناس ليتعلقوا بعباءات مستثمرى الإسلام من الدعاة؟ كيف أشرح لحمزة أن القرآن أمرنا بترشيد المياه من أربعة عشر قرناً فى القرآن بغسل الوجه واليدين والمسح على الرأس ثم غسل القدمين (آية 6، سورة المائدة) ولكن المشايخ يتوضأون بالأذن والمضمضة وغسل الأنف وإدرار المياه وكأن الله أمرنا بالإسراف!! وإهدار المياه التى تكاد تجف. ماذا أقول لحمزة عن فلسفة القرآن فى طرح الحياة بكل تفاصيلها وأن قراءة القرآن لا تكون لمجرد القراءة ولكنه يعطينا صوراً للحياة.. هذا الاحتباس الحرارى هل يقرأ حمزة فى الآية الكريمة «ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون» (آية 41، سورة الروم)، ها هو البحر يطرد أسماكه ميتة والثلوج تذوب حتى تغرقنا.. كيف يكون عصرك يا حمزة؟ لعلى لا أستطيع أن أفكر حتى لا يغلبنى البكاء على هذا العصر، فالعصر آت رغماً عنا.. ليصبح هذا العصر بكل ما فيه من بلاء.. وقهر وفساد فيقولون عنه.. الزمن الجميل.. لعل الله يرعاك يا حمزة ويرعى جيلك ويجعلكم تواجهون هذا الزمان بقوة خارقة تمنع عنكم السقوط ويحفظ مصر من الذوبان فى إسرائيل الكبرى والتى تنتهج الدعارة السياسية العالمية. هذه الكلمات أنوب بها عن قرائى الأحباء الذين ولد لهم حفدة صغار مثلى هذه الأيام فقد رزقنا الله بحمزة.. رعاه الله ورعا أحفادكم الذين سوف يواجهون الغيب بوطن لم يحمل لهم مستقبلاً بل محا الماضى أيضاً.