انزعجت واندهشت وحزنت عندما حكى لى صديق لعائلة د. مصطفى محمود أن مجلس إدارة الجمعية الشهيرة التى تحمل اسمه يرفض أن يعطى ابنه أدهم شرائط برنامج «العلم والإيمان» ليضعها فى متحف يحمل اسم هذا المفكر العظيم!! من الممكن أن يكون هذا الرفض جزءاً من معركة العناد الدائرة بين الجمعية والابن الأكبر حول أشياء أخرى مثل الشقة والتليسكوب والمستشفى... إلخ، ولكن ما استفزنى حقاً هو حجب تلك الشرائط النادرة الثمينة التى كانت قبلة المشاهدين، والتى حازت أكبر نسبة مشاهدة فى تاريخ التليفزيون المصرى، والتعامل معها بعقلية التكويش، وتجاهل أنها ملكى وملكك وملك جيل كامل عشق العلم من خلال هذا البرنامج، وهى ليست على الإطلاق ملك جمعية خيرية أو حتى وريث شرعى. رغم تحفظاتى على تعليقات د. مصطفى محمود فى نهاية بعض الحلقات، التى حاول فيها الترويج للإعجاز العلمى وربط النسبى العلمى بالمطلق الدينى، فإن الجهد الذى بذله مصطفى محمود فى انتقاء هذا الكوكتيل العبقرى من الأفلام العلمية الوثائقية، وجعل المشاهدين يرتبطون بها وينجذبون إليها وكأنها مسلسل بوليسى مشوق - كان إنجازاً عظيماً فى حد ذاته يجعلنى أناشد الوزير أنس الفقى ألا يسلك سلوك الجمعية ويحرمنا من هذه الأفلام العلمية العظيمة المبهرة، ويجعلنى أفتح للمناقشة موضوع الأفلام العلمية فى التليفزيون المصرى التى صارت سراباً، والتى يخشى عرضها مسؤولو التليفزيون وكأنها عورة ويحاربونها وكأنها إيدز أو جَرَب. تزامنت معركة ميراث مصطفى محمود البرامجى مع تفرغى هذا الأسبوع للاستمتاع بمشاهدة مجموعة من سيديهات الأفلام العلمية الرائعة لكارل ساجان وريتشارد دوكينز وستيفن هوكنج وغيرهم من أساطين وعباقرة الكتابة العلمية سواء فى الكتب أو البرامج.. حقاً متعة أعظم وأعمق من متعة الفرجة على فيلم حائز على الأوسكار، فيلم مصروف عليه ومعمول بجد وجهد ورغبة فى تحقيق الكمال الفنى، شاهدت شرحاً مبسطاً وسلساً لنظرية التطور ونشأة الكون وشكل المجرات وتركيب الشريط الوراثى ومشروع الجينوم البشرى وعلم الحفريات ونظرية الكم والنسبية وتاريخ الزمن والثقوب السوداء، منتهى السلاسة والعمق فى نفس الوقت، إبهار وموسيقى وإيقاع يغمرك بالنشوة، تبسيط غير مخل بعيد عن التسطيح لأعقد نظريات الفيزياء والبيولوجيا، ومحاولة مضنية للبحث والتقصى تصل إلى درجة السفر حول العالم لعمل برنامج مدته نصف ساعة، مثل ما شاهدته من عالم الأحياء دوكينز عندما شرح تأثير رحلة سفينة البيجل لداروين على تطور علم الأحياء وسافر من لندن إلى أمريكا الجنوبية والشمالية وكينيا حتى يجعلنا نفهم نظرية الانتخاب الطبيعى كما شرحها داروين، شاهدت كيف يصنع المستحيل حين شاهدت برنامجاً من إبداع الفيزيائى العبقرى ستيفن هوكنج المقعَد الكسيح المريض بمرض التصلب الجانبى، والذى عندما فقد القدرة على النطق قامت شركة «إنتل» للمعالجات والنظم الرقمية بمعجزة وطورت نظام كمبيوتر خاص متصل بكرسى هوكنج المتحرك ليستطيع به التحكم فى حركة كرسيه والتخاطب باستخدام صوت مولد إلكترونى وإصدار الأوامر عن طريق حركة عينه ورأسه، بل المدهش أنه عن طريق حركة العينين يقوم بإخراج بيانات مخزنة مسبقا فى الجهاز تمثل كلمات وأوامر!! حقاً إنها لمعجزة أن تشاهد برنامجاً علمياً عن الزمن بهذه العظمة من إبداع فيزيائى شبه جثة لم يبق فيه إلا العقل والإرادة. نداء إلى وزير الإعلام: أنقذ عقولنا من الغثاء والخرافة والجهل بأفلام علمية تعدها وتقدمها عقول مصرية، امنح علماء مصر ولو واحداً على عشرة من مساحة الشيخ خالد الجندى فى «البيت بيتك» أو مفيدة شيحة فى برنامجها اللوذعى «الهرم»!!