يقول الدكتور توفيق الطويل، فى ضرورة الدين للفرد والمجتمع، إن استقراء التاريخ من قديم الزمان يشهد بأن الشعوب لا تحيا بغير دين تعتنقه، ومن ثم اهتم الملحدون من المفكرين والفلاسفة بالدين رغم رفضهم له.. وفى سعيهم للتوفيق بين رفضهم للدين مع اعترافهم بأهميته للإنسان أنكروا الدين المنزَّل بوحى إلهى، وأنشأوا أدياناً سموها حيناً «الدين الطبيعى» وحيناً «الديانة الإنسانية»، (وهى الرسالة المخبأة تحت طيات المناداة بما يسمى «الدولة المدنية» و«المجتمع المدنى» التى لا يكف الهادفون إليها عن التحرش بالمادة الثانية من الدستور المصرى والزعق بهستيريا لتخليص الدستور من المواد الدينية التى تعتبر الإسلام دين الدولة ومصدر التشريع، خيّب الله سبحانه كيدهم آمين!). يستعرض بحث الدكتور الطويل زعماء هذه الديانات المطروحة بديلة عن الدين الحق المنزَّل على أنبياء الله عز وجل، ومن بينهم المدعو أوجست كونت، الذى يرى أن المجتمع فى حاجة ماسة إلى مجموعة منظمة من العقائد تكون موضع اتفاق بين الأفراد جميعاً، ولا يتيسر هذا إلا بإلغاء الأديان القائمة وصهرها فى دين جديد يتمثل فى عبادة الإنسانية من حيث هى فكرة تحل مكان الله فى الديانات المنزلة! (وهنا يجب أن نلحظ الكم الهائل من الخبث الذى تنطوى عليه أحاديث عن الإنسانية تمر من تحت أنف بعض السذج من دون أن يتشككوا فى كونها وثنا معبودا إلى جانب أوثان أخرى، ما أنزل الله بها من سلطان، تعج بها مفردات اللادينيين). تحت كلمة جميلة مثل «الإنسانية»، التى صنع منها الفيلسوف الملحد أوجست كونت ديانة ادعى أنها تحقق وحدة دينية للبشرية يتلاشى معها الشر والمنازعات... إلخ، لا يتورع الفيلسوف الإبليس عن تقسيم للبشرية تفوح منه رائحة العنصرية المنتنة، على الرغم من الكلمات المنمقة والشعارات المبهرة، فحضرته يقسم البشرية إلى أجناس ثلاثة: الأبيض ويمثل الذكاء، والأصفر ويمثل العمل، والأسود ويمثل العاطفة! هذا الكلام العفن يعنى بصريح العبارة سيادة وزعامة الجنس الأبيض متمثلا فى العنصر الأوروبى وتراث حضارته الغربية سواء سكن أوروبا أو الأمريكتين أو أستراليا أو «الشرق الأوسط»! هذه الرؤية الشوهاء، التى ترى فى الصين واليابان حمار شغل، وترى فى الجنس الأسود الذى يضم أفريقيا والهند الطبل والزمر والرقص وشهوات العاطفة، لا ترانا نحن العرب، بأغلبيتهم المسلمة، جنساً أبيض إنها ترانا خليطا لا يرقى للتصنيف من واجبه فحسب أن يكون بطانة، رضى البعض من أهلنا للأسف أن يكونوها، تغنى معزوفات الرجل الأبيض العنصرية اللادينية بإعجاب شديد، هذا بينما يقول لنا نبينا محمد بن عبدالله: «اتركوها إنها منتنة»، قاصدا العصبية القومية والقبلية والجنسية مؤكدا القاعدة التى ترتكز عليها النظرة الإسلامية للبشرية وللإنسانية: «كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى!». «التقوى»: أى مخافة الله الذى خلقنا سواسية بالعدل والقسط والميزان، للجميع الذكاء، وللجميع قدرة وأدوات العمل، وللجميع عاطفته ومشاعره ووجدانه. لا عذر لمن لا يعمل، ولا عذر لمن لا يحس ويشفق ويحب ويرحم ويتراحم. هذه النظرة الإسلامية الكلية للبشر والإنسانية تقودها كلمة الله «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، فنعلم أنه ليس هناك شعب مختار ولا جنس أرقى ولا بطاقة مكتوب عليها التفوق لأحد أبد الآبدين. وإذ يستمر كلامى إلى العدد القادم بإذن الله أقرأ من سورة «المؤمنون» الآيتين الكريمتين 97 و98: «وقل ربّ أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون»، صدق الله العظيم.