توحدت أوروبا بالرغم من الديانات المختلفة، واللغات المختلفة، والثقافات المختلفة، توحدت أوروبا بعد تاريخ مؤلم من الحروب وإسالة الدماء.. ويكفى أن حربًا واحدة من مئات الحروب بين إنجلترا وفرنسا.. كان اسمها حرب المائة عام! وأنظر حولى.. فأرى لغة واحدة، دينًا سماويًا واحدًا، ثقافة غالبة واحدة، وبالرغم من هذا كله.. فالانقسام، والصراع، والفتن، والحروب، تمزق هذا الوطن الكبير! الصومال، السودان، مصر، اليمن، لبنان، فلسطين، العراق...إلخ. ترى.. ما الحل؟! الحل.. هو.. هذه الكلمة السحرية الرائعة التى وصلت إليها أوروبا.. بعد دماء كثيرة! ألا وهى.. الحضارة! لكن ما تعريف الحضارة؟ كلمة Civilization جاءت من كلمة Civility، وهذه الكلمة معناها الأدب Politness، ورقة التعامل مع الإنسان الآخر Good Manners and Treatment to Others الحضارة.. سماحة وليست تسامحًا Tolerance Not Forgivness والفرق كبير بين الكلمتين، فالسماحة هى ليبرالية.. حرية.. احترام الرأى الآخر.. تقبله أو لا تقبله.. هذا من حقك، أما التسامح فهو تنازل عن حقك إذا أخطأ إليك أحد! يقولون تسامح الأديان.. وهذا تعبير خاطئ.. والصواب هو سماحة المتدينين..! والحضارة.. تأخذ حكمتها من خلية الجسم الطبيعية فالخلية طبيعية إذا احترمت الخلايا التى تحيط بها وإلا أصبحت خلية سرطانية.. تغزو وتدمر، وفى النهاية تقضى على صاحبها بالموت لا الحياة! فإذا جُرحت أو فقدت من جسمك جزءًا، تتكاثر الخلايا الطبيعية.. حتى تلامس خلايا مجاورة لها.. فتتوقف عن التكاثر، وهذا ما يطلق عليه العلم Contrct Innibition أو بلغة الأدب والشعر احترام الجار أو Neighbour Respect أما إذا جارت وتعدَّت هذه الخلايا على ما حولها.. فقد أصبحت خلايا غازية سرطانية.. يجب استئصالها. لقد أخطأ هنتجتون فى تعبيره.. صراع الحضارات! لأن معنى كلامه صراع الرقة مع الرقة، غزو الأدب للأدب، قتل السلوك المهذب للسلوك الجميل.. وهذا لا يمكن أن يكون..! والأحرى به أن يقول صراع ثقافات بدلاً من صراع حضارات، لذا نجد الصراع يخبو فى عصور الازدهار، ويشتعل فى عصور التخلف، ولنا فى العصر العباسى مثل رائع وجميل. قرأت لرجل من أهل الفصاحة والبلاغة يدعى خلف بن المثنى قال: شهدت عشرة فى أحد مجالس العلم بالبصرة، ليس فى الدنيا مثلهم علمًا ونباهة: 1- الخليل بن أحمد، صاحب النحو.. سنى 2- الحميرى.. شاعر.. شيعى. 3- سفيان بن مجاشع.. شاعر.. من الخوارج. 4- حماد عجرد. 5- صالح بن عبدالقدوس: من الزنادقة.. والزنادقة يؤمنون بكنفوشيوس وكتابهم المقدس هو.. الزند. 6- ابن نظير المتكلم.. فيلسوف مسيحى. 7- بشار بن برد.. شاعر ماجن. 8- ابن رأس الجالوت.. حكيم يهودى. 9- ابن سنان الحرانى.. شاعر من الصابئة الحرانيين. 10- عمر بن المؤيد.. مجوسى. يقول عنهم خلف بن المثنى: كانوا يجتمعون، يتناشدون الأشعار، يتناقلون الأخبار، يتبادلون الحوار فى جو من المودة والألفة.. حتى لا يكاد يخطر على بال الرائى.. أن بين هؤلاء المجتمعين، هذا الاختلاف الشديد فى دياناتهم ومذاهبهم! إنها الحضارة بما فيها من سماحة وحرية.. وأدب، وسلوك مهذب.. وليست ثقافة أو دينًا أو مذهبًا سياسيًا.. إذن الحضارة هي الحل.. لا الإسلام هو الحل، ولا المسيحية هى الحل، ولا اليهودية هى الحل.. فكلها حلول للسماء لا.. لعالمنا المضطرب.. ها هو «إلياس قنصل» يغرد للحضارة شعرًا ويقول: أغض الطرف عن أخطاء صاحبى وأعفو عن عدوى أو حسودى وإذا سألتم عن دينى فإنى مسيحى أحمدى بوذى يهودى [email protected]