لابد أن يكون فى مصر فريق من المؤلفين والمخرجين والسيناريست الذين يكتبون النص الأساسى للمعارك السياسية الوهمية فى مصر، لا يمكن أن يكون الأمر اعتباطا هكذا. من معركة القمح الفاسد، إلى معركة هالة مصطفى، إلى معركة فاروق حسنى، معارك تظهر لمدة أسابيع وتختفى كفقاعات الصابون، يديرها ممثلون أكثر براعة من ممثلى السينما. أبدأ بقضية فاروق حسنى، التى كتب عنها الكثير وشارك فى التأليف والإخراج فيها الكثيرون، أما تبرير الهزيمة فشاركت فى اللطم فيه كل الصحافة المصرية تقريبا، لا فرق بين معارض ومستقل أو وطنى. جريدة «المصرى اليوم» كتبت مانشيتاً عريضا عن كشفها للمؤامرة من خلال مقال لكاتب فرنسى نشر فى مصر ولم ينشر فى فرنسا، ولو كان المقال ذا قيمة وتم تمحيصه، حسب قواعد اللعبة الصحفية فى بلاده من حيث الدقة والمصداقية لنشر فى فرنسا، فكانت غلطة ل«المصرى اليوم» من وجهة نظرى، وكنت قد أشدت بهذه الجريدة فى قضية المجارى، فالحق يستوجب أن أشير إلى خطئها أيضاً فى قضية فاروق حسنى. كانت «المصرى اليوم» تشبه «الأحرار»، وكذلك تشبه «الأهرام» و«الأخبار» و«الوفد».. بدت الصحافة المصرية على اختلاف أنواعها وكأنها صحافة شمولية يديرها رجل واحد، وكأنها مجموعة أفلام متشابهة لمخرج واحد وإن تنوع فيها الممثلون بين الليبرالى والمحافظ، والمحافظ جدا. من قرأ صحف مصر بعد هزيمة فاروق حسنى، لن يجد خلافاً بين صحف المعارضة وصحف الحكومة، كاتب النص واحد لدرجة أننى كنت أشك بأن معظم الأخبار أو المقابلات قد كتبت فى وزارة الثقافة ذاتها. حتى المقابلات التى أجريت مع الوزير كانت معظمها بمثابة إرضاء الخواطر و«الطبطبة»، غابت عنها الأسئلة الجادة، كانت أسئلة من نوعية: «أرادوا إقصاءنا عن المنصب، أليس كذلك؟». تنافس تسعة مرشحين على منصب مدير اليونسكو، فإذا كانت الصهيونية قد أقصت فاروق حسنى، فمَنْ أقصى الآخرين؟ وإذا كانت أمريكا تملك كل هذا السلطان على المنظمات الدولية، فيا ترى لماذا فشلت أمريكا فى إقناع اللجنة الأوليمبية باختيار شيكاغو بدلا من البرازيل كمضيفة للألعاب الأوليمبية؟ لقد ذهب باراك أوباما بنفسه ومعه زوجته لكى يقنع لجنة الأوليمبياد بأحقية شيكاغو وفشل، فإذا كان الفشل من نصيب أقوى رجل فى العالم، فلماذا نؤلف قصصًا من أوهام «ألف ليلة وليلة» لتبربر فشل فاروق حسنى؟ أما النقطة الأهم فهى لو أدارت جماعة فاروق حسنى حملته لتولى منصب اليونسكو فى باريس بالطريقة نفسها التى أدارت بها حملة المواساة له بعد الهزيمة فى مصر لنجح من الدور الأول. حملة مواساة فاروق حسنى التبريرية كانت ناجحة جدا لدرجة أنك لا تستطيع أن تفتح جريدة أو محطة تليفزيونية واحدة من دون أن تجد خبرا أو تحليلا لما حدث لفاروق حسنى، وكأن حالة من التماهى بين مصر وفاروق حسنى قد حدثت وتطابقت فيها الصورتان لدرجة لا يمر فيها الضوء بينهما. ولو كنت مكان فاروق حسنى لسعدت جدا بهذا الإنجاز، فلا يوجد فى الدول الديمقراطية كلها وزير حكومى استمر فى منصبه لقرابة ربع قرن فى وزارة، ليس هذا فحسب، بل وبعد كل هذه المدة التى التصق فيها بكرسى الوزارة يصبح بطلا قوميا. هذه معجزة أقرب إلى معجزات الأنبياء، صعب تخيلها فى عالم الديمقراطيات، لابد أن يكون هذا الرجل عبقريا، أو أن من أداروا حملته فى مصر مجموعة من العباقرة الذين يفهمون نفسية الصحافة المصرية والمزاج المصرى. إن حملة فاروق حسنى التبريرية بعد الهزيمة قد حدث عليها وفاق لم يحدث للرئيس مبارك نفسه عندما خاض الانتخابات الرئاسية منذ أعوام. المسرحية الثانية الجانبية التى حظيت بالاهتمام كنص مصاحب أو ما يسميه جماعة المؤلفين المسرحيين بال«sub-Plot»، هى مسرحية هالة مصطفى، التى لا نعرف أيضا من مؤلفها رغم أننا نعرف الممثلين والكومبارس. ما يثير اهتمامى شخصيا هو أين نضع هذه القصة، هل هى قصة مصاحبة لنص فاروق حسنى الذى تظهر فيه إسرائيل بدور أساسى وبالتالى مطلوب «على الجنب» قصة صغيرة فيها عناصر الإثارة من نسوان وجواسيس إلى آخر منكهات أفلام الجاسوسية، أم أنها جزء من مسرحية أخرى لم تنضج بعد؟ أما مسرحية القمح الفاسد فهى قصة أيضا جاءت فى وقتها كنص جانبى مصاحب لقضايا أخرى، وهى مثال على أن الصحافة المصرية «تسرقها السكين» أحيانا ولا تسأل الأسئلة التى تبحث عن الحقيقة، فروسيا لا تصدر القمح لمصر فقط، هى أيضا تصدره إلى دول فى أورويا وأفريقيا وإلى المغرب، فلماذا لا يكون القمح الروسى فاسداً إلا فى مصر؟ أليس منطقياً إن كان القمح الروسى القادم إلى مصر فاسداً أن يكون فاسداً فى كل مكان يصدر إليه؟ واضح أن القمح «مش هو اللى فاسد» فقط! من هو المؤلف الحقيقى لكل هذه السيناريوهات والمعارك الوهمية فى مصر؟ من يطلق كل قنابل الدخان هذه فى سماء المحروسة؟ وهل هناك علاقة بين هذا الدخان والسحابة السوداء التى تخيّم على سماء القاهرة كل عام، أم أنه دخان يغطى على قضايا أخرى أكثر خطورة وسرقات لبيوت و«مواشى» وربما لوطن؟ أسئلة متروكة للناس اللى بتكتب من جوه.