أحسنت إدارة تحرير «المصرى اليوم» عندما وضعت فاطمة ناعوت فى صفحة بها أقل عدد ممكن من الأرواح البشرية، فقد أصبحت ذاتها المتورّمة قابلة للانفجار فى أى لحظة، وبات على كل نجارى الطبالى وصانعى زلع المش من أمثالى، ألا يختلفوا معها أبدا، لكى لا تَعُضّهُم فى وطنيتهم ثم تجرى صارخة: «أنا نحاتة.. أنا نخبوية.. أنا شاطرة فى العربى». يعرف القارئ المهتم أننى أكتب بأسلوب يمزج بين الفصحى والعامية، لذا لست فى موضع اختبار لغوى مع خالص شكرى لكل امرئ أهدى إلىّ عيوبى، ويعرف أيضا أن أسلوب المخبرين الذى استخدمته ناعوت على طريقة «إمسك يا باشا الواد ده ما بيحبش مصر وبيعمل إشارات غير مريحة لرجال الأعمال» لا يجدى معى نفعا، ولعله يعرف أننى لم أهاجم أبدا لمجرد الهجوم وأرشيفى موجود، وليس فيه بحمد الله قضية سب وقذف واحدة، وهو يحب من أفلامى ما يشاء ويكره منها ما يشاء، وهو أخيرا يعرف أننى لم أصادر على ناعوت حقها فى أن تحب الرئيس مبارك كما تشاء، بل اعترضت على أن تنصب نفسها متحدثة باسم جميع المصريين وهى تعلن حبها له، وأننى اعترضت على مجاهرتها بشوفينيتها، وشتان ما بين الشوفينية وحب مصر، وهو ما دفعها لكى تكذب على القراء وتحاول تجريسى بأن تنتزع عبارات قلتها فى صحيفة «اليوم السابع» على لسان شخصية عشوائية تقمصتها فى حوار مسرحى، لكى تنسب تلك العبارات إلىّ وهى تعلم جيدا أن اقتطاع العبارات من الأعمال الفنية أيا كان رأينا فيها أمر شديد الخطورة لأنه لعب بالنار يمكن أن يحرق أصابع ناعوت ذاتها. نأتى للثوابت التى تتهمنى ناعوت بالتطاول عليها مثل برج بيزا وسور الصين وموحد القطرين وشجرة الدر(!)، وهى تسأل عما يمكن أن يحدث لو تشوشت معلومات ابنها أو ابنتى بعد قراءة الحوار الساخر من تلك الثوابت، أمام ابنتى سنين طويلة لكى تتمكن من قراءة الجرائد، وعندما تكبر سأحرص على أن تنال تعليماً محترماً يجعلها تعرف الفرق بين الكتابة الساخرة والمعلومة الموثقة. على أى حال، كنت أتخيل أن مهمة الشعراء هز الثوابت وزعزعتها، وليس وضع قوائم بها والإبلاغ عن مزعزعيها، لكن إذا كانت ناعوت مؤمنة حقا بأهمية الثوابت فكيف سيكون موقفها لو اقتطع أحد من ديوانها (قارورة صمغ) مقطعا مثل «نحتاج شيئا من الزيت والزعتر للعشاء.. وحبتى زيتون.. فاطرق الباب على الله فى الغرفة المجاورة، وخبره أننا جياع.. الأحجار مبتلة.. فكيف أصنع الخبز.. اذهب واسرق لنا شعلة من قنديله.. واحذر أن توقظه»، أو المقطع الذى تقول فيه: «يتلخبط وجه النهر.. وترتبك الفرشاة فى يد الله»، ماذا ستقول للمقتطع الأثيم لو سألها: هل السخرية من برج بيزا المائل هز للثوابت بينما ليس منها على الإطلاق القول أن الله ينام فى غرفتها المجاورة؟!، وماذا ستقول لابنها الذى تخشى عليه من أمثالى لو سألها: هل ينام الله حقا يا أمى؟ وهل ترتبك الفرشاة فى يده؟، وإلى أين يمكن أن يذهب بنا هذا المنهج فى الاستقطاع الذى اختارت ناعوت ممارسته وهى تتقمص شخصية أمين عام برج بيزا المائل؟، ألسنا جميعا عرضة لهذا الاستقطاع فيما نكتبه، فكيف ولماذا نمارسه على بعضنا البعض؟. عن أى رُقِىٍّ لُغَوى تتحدث فاطمة ناعوت التى تكتب كلاما من قطعية «المرأة التى زرعت الكركديه كى ينخفض ضغط الدم.. نظفت بقايا القىء والمخاط.. ثم أشاحت عن النسوة داكنات الروح.. ذوات الأرداف الثقيلة.. لأنهن يتلصصن من ثقوب العنابر فيخربن الهدوء ومقابض الأبواب.. موت الفجاءة يفتح الأبواب على نحو أوسع.. فتذوب التكتلات الدموية.. مما يسمح للقاعة أن تنظف حوائطها.. من روث الأصدقاء الذين يكتبون الشعر.. ولا يحسنون الأدب»، ما الذى يجعل هذا الهراء الذى اخترته على سبيل المثال لا الحصر، أرقى من كلام العشوائيين الذين تخشى ناعوت منهم على لغتنا ومستقبل أولادنا. أيا ناعوت، يحب الناس فى بلادى الطَبَالى والقُلل وزِلَع المش فهى تنفع الناس وتمكث فى الأرض، أما التماثيل فموقفهم منها يختلف حسب أصالتها وإبداعها، إذا كان التمثال حقيقيا يقضون أوقاتا لطيفة بجواره، أما إذا كان زائفا، ولم يكن ثمة دورة مياه قريبة فإنهم يقضون تحته حاجتهم تماما، كما يفعل الأصدقاء الذين يكتبون الروث ولا يحسنون الأدب. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]