تفاصيل صادمة حول وفاة مدير التصوير تيمور تيمور.. تعرف عليها    حماة الوطن: بدأنا استعدادات مبكرة لخوض انتخابات النواب..وانتقاء دقيق للمرشحين    إلزام المؤسسات التعليمية بقبول 5% من ذوى الإعاقة في المنظومة.. اعرف التفاصيل    البورصة المصرية تربح 14.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الأحد    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي السفير الياباني والممثل الرئيسي لهيئة التعاون الدولي اليابانية «جايكا»    مصر تجدد رفضها تهجير الفلسطينيين وتدعو الدول لعدم المشاركة في الجريمة النكراء    18 هدفاً و56 إنذاراً و6 حالات طرد في ملخص الجولة الثانية بالإيجبشيان ليج.. 3 تعادلات سلبية وآخر إيجابي    طقس يوم الاثنين .. حار نهارا ونشاط رياح يلطف الأجواء والعظمى بالقاهرة 35 درجة    وكيل الأزهر ووزير الثقافة.. غدًا تكريم الفائزين في مسابقة (ثقافة بلادي 2)    شرم الشيخ للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" في دورته 10    مرصد الأزهر: تعليم المرأة في الإسلام فريضة شرعية والجماعات المتطرفة تحرمه بقراءات مغلوطة    الأمم المتحدة: مقتل 1760 من الباحثين عن المساعدات    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    المجلس الوطني الفلسطيني: إدخال الخيام في غزة «مؤامرة ومقدمة للتهجير»    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    على خطى بالمر.. هل يندم مانشستر سيتي وجوارديولا على رحيل جيمس ماكاتي؟    أزمة الراتب.. سر توقف صفقة انتقال سانشو لصفوف روما    رئيس هيئة قناة السويس يوجه بصرف مليون جنيه دعما عاجلا لنادى الإسماعيلى    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    عاجل| قرار وزاري جديد بشأن عدادات المياه المنزلي والتجاري    أمن قنا يكثف جهوده لضبط مطلقي النيران داخل سوق أبودياب    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    نقيب السكة الحديد: 1000 جنيه حافز للعاملين بالهيئة ومترو الأنفاق بمناسبة المولد النبي    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    انطلاق العرض المسرحي «هاملت» على مسرح 23 يوليو بالمحلة    25 باحثا يتناولون تجربة نادي حافظ الشعرية بالدراسة والتحليل في مؤتمر أدبي بالفيوم    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    «الرعاية الصحية» تطلق مبادرة NILE وتنجح في أول تغيير لصمام أورطي بالقسطرة بالسويس    «يوم أو 2».. هل الشعور بألم العضلات بعد التمرين دليل على شيء مفرح؟    مدير تعليم القليوبية يكرم أوائل الدبلومات الفنية على مستوى الجمهورية    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل إطلاق نار مع الشرطة بأسيوط    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    الأونروا :هناك مليون امرأة وفتاة يواجهن التجويع الجماعي إلى جانب العنف والانتهاكات المستمرة في غزة    وزير الصناعة والنقل يتفقد معهد التبين للدراسات المعدنية التابع لوزارة الصناعة    930 ألف خدمة طبية بمبادرة 100 يوم صحة في بني سويف    الصحة: 30 مليون خدمة طبية للمواطنين خلال النصف الأول من 2025    مركز تميز إكلينيكي لجراحات القلب.. "السبكي" يطلق مبادرة لاستعادة "العقول المهاجرة"    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    دعوى قضائية أمريكية تتهم منصة روبلوكس ب"تسهيل استغلال الأطفال"    إصلاح الإعلام    ما الذى فقدناه برحيل «صنع الله»؟!    7 بطاركة واجهوا بطش الرومان وقادوا الكنيسة المصرية ضد تيار الوثنية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    «ميلعبش أساسي».. خالد الغندور يهاجم نجم الزمالك    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    هيئة الأركان الإيرانية تحذر الولايات المتحدة وإسرائيل: أي مغامرة جديدة ستقابل برد أعنف وأشد    نتنياهو: لا اتفاق مع حماس دون إطلاق الأسرى دفعة واحدة ووقف الحرب بشروطنا    راحة للاعبي الزمالك بعد التعادل مع المقاولون واستئناف التدريبات الاثنين    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    أخبار 24 ساعة.. إطلاق البرنامج المجانى لتدريب وتأهيل سائقى الشاحنات والأتوبيسات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحوة دينية أم شعوذة ذهنية؟

ذكرتنى رسالة السيد نقيب الأطباء التى بعثها للأستاذ سليمان جودة، ونشرها الأخير يوم السبت الماضى، بما تيقن به الفلاسفة الألمان «شوبنهاور» و«نيتشة»، وهو أن المنطق والعقلانية ما هم إلا أداة لتبرير أفكار نابعة عن دوافع لا عقلانية وربما لا شعورية، ترتبط بتركيبة المرء النفسية والأيديولوجية ومحاولات فرض الإرادة وإخضاع الآخر.. خطاب السيد النقيب ورئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب جاء هادئا ومكونا من عدة نقاط تبدو مقنعة، وتتعلق بمسائل عملية صحية وإدارية (حتى إذا كان معظمها قد تم تفنيده من قبل منظمة الصحة العالمية وجهات أخرى عديدة).
هذا ما عدا بالطبع بند الخطاب الرابع، الذى تعلق بكون صاحبة مشروع حملة إبادة الخنازير قبطية، فهذا البند لم يتضمن سببا علميا أو تقنيا أو إداريا منطقيا، إنما وظيفته كانت الإيحاء بعقلانية الحيثيات الأخرى الواردة فى الرسالة، وبأن كل من اختلف معها افتقد المنطق والتوازن، وربما حتى عمل على إثارة الفتن- أو، باختصار، أنه هو الذى «يستحق الذبح»،
كما لاحظ الأستاذ جودة.. لكن، كما علمنا «نيتشة»، فإن الكشف عن مواطن اللاعقلانية فى الخطاب العقلانى ظاهريا يتطلب تحليل الإطار التفسيرى الذى تنبع منه الحجج المعنية. وفى حالة النقيب الفاضل، الذى يستشهد بانتماء صاحبة فكرة الإبادة للجالية المسيحية، فهذا الإطار هو نفسة الذى سمح له بمحاولة منع نقل الأعضاء بين المسلمين والمسيحيين فى الماضى القريب، أى أنه لا يخلو من النزعات التعصبية التى يصعب دعمها عقلانيا، ولو ظاهريا.
ومعتقدات السيد النقيب تلك لم تأت بطريقة شيطانية من فراغ، إنما جاءت وسط مناخ عام يسوده الانغلاق والتعصب المتنامى عبر أكثر من نصف قرن من الزمن. يسألنى مثلا بعض الأساتذة الأجانب، العاملين فى الجامعات الموجودة بالمدن الجديدة المحيطة بالقاهرة، لماذا يتوجب عليهم السفر لأكثر من ساعة زمن حتى يجدوا مكانا يمكن أن يتناولوا فيه كوبا من البيرة؟ وأرد عليهم بأنه، كما هو الحال فى علم الفلك،
فالرحلة من هذه المدن لوسط القاهرة ليست فقط رحلة فى المكان إنما أيضا سفر فى حيز الزمان، إلى مدينة أخرى متعددة الثقافات والجنسيات والملل، ومجتمع متسامح منفتح على العالم. مجتمع قد اختفى بشكل شبه كامل الآن. فكما يلاحظ بعض هؤلاء الأساتذة، حتى مدن خليجية مثل دبى صارت أشبه، من حيث التعددية والتحرر، بالأوضاع التى يقرؤونها فى الكتب عن المدن مصر «أيام زمان» التى اختفت..
ونحن فى أمس حاجة للخبرات والاستثمارات التى تجلبها بدلا من تلك الأماكن المتجهة نحو الانفتاح التدريجى، فى زمن يسير فيه مجتمعنا فى الاتجاه المعاكس. فمن السهل القول إن الذى لا تعجبه أوضاعنا من «الخواجات» فليرحل، لكننا فعلنا ذلك من قبل- وبطريقة هوائية، دون تحضير- ولم يصب ذلك فى مصلحتنا. فكان قطع علاقاتنا الثقافية مع الغرب بعد الاستقلال من أكبر الأخطاء، التى لم تقع فيها دول كالهند مثلا..
وسأستشهد بمثال واحد فقط من علم الرياضيات لأوحى بحجم ما خسرناه، فمن أهم الدراسات فى مجال المعادلات التفاضلية مثلا كان كتاب العالم الإنجليزى «إى إل اينس»، الذى نشره سنة 1926، حين كان يعمل بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليا)، والكتاب ما زال متداولا فى طبعات متتالية ويعتبر من أهم النصوص الأساسية فى ذلك الموضوع ليومنا هذا.
لا شك أن رحيل مثل هذه الخبرات أتى بخسارة فادحة علينا، لكن سيادة المناخ المتزايد فى الانغلاق والعزلة عن العالم لا يؤثر فقط على أوضاع الأجانب، بل إن خطورته كامنة بالدرجة الأولى فى أنه قاتل للإبداع الفكرى المصرى، ولدور مصر كدولة رائدة علميا وفنيا فى المنطقة. فمن يراقب الحياة الثقافية عندنا خلال العقود الماضية لا يمكن ألا يلاحظ الحملات المتتالية لمصادرة الكتب والأفكار، حتى صارت الثقافة المصرية الحرة، التى مثلت قدوة وبوصلة لكل الأحرار فى العالم العربى، سرابا من الماضى (كما لاحظت مثلا، فى حسرة، كاتبة سعودية نشرت لها «المصرى اليوم» مقالا على هذه الصفحة منذ بضعة أسابيع).
فى هذا الإطار، من الصعب اعتبار منطق الحملات المتتالية ضد ما تبقى من تعددية وحرية اختلاف فى مصر نابعا كليا عن حيثيات علمية وعملية عقلانية، كما يريد أن يقنعنا البعض، فالمسألة لا تتعلق فقط بإمكانية تناول «ساندويتش مورتاديلا» أو كوب بيرا. والمأساة لا تتعلق بصحوة دينية أصيلة، إنما بانتكاسة نحو الهوس الذهنى النابع عن فوضى وفقر فكرى ممتزج بالتدين السطحى المبنى على الشعائر والطقوس، فلا يلمس المعانى العقائدية الأعمق، المتعلقة بإيجاد معنى واتجاه لحياة الإنسان ووجوده.
التدين الأعمق ليس كذلك. ومن يريد التأكد من ذلك، أو الإحساس بحجم الفجوة التى تفصلنا عن العالم المعاصر، حتى فى مجال الخطاب الروحانى، عليه مراجعة الكتاب الأخير لكبير أساقفة كانتربرى، الذى يحلل فيه نصوص المؤلف الروسى العظيم دستويفسكى، ويتطرق من خلال ذلك لعمق العقيدة، بأجنحتها الأخلاقية والتصورية والميتافيزيقية. ففى هذا النوع من البحث الأمين الدءوب عن المعانى والمثل، فى سبيل فهم أعمق لحالة الإنسان،
يكمن الهدف الروحانى الأسمى- الهدف الذى تطمسه عندنا طقوس التدين السطحى، بعنفها الفكرى، وأحيانا الفعلى أيضا، والمجسدة حاليا فى جثث الخنازير المذبوحة، الممثلة والملقاة فى العرى، التى يبدو أنها بدت كال»تابو»، كالعفاريت أو الأرواح الملعونة المخيفة، فى أذهان ذابحيها المشعوذين.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.