كلمات الدنيا كلها لا تكفى لعزاء الدكتور أحمد نظيف والتخفيف من لوعته فى فقدان أجمل ما فى حياته كلها شريكة عمره السيدة «منى السيد عبدالفتاح»، ويجمع كل من عرفها أنها نموذج حلو لإسلامنا الجميل، ولاحظ حضرتك أننى تعمدت عدم ذكر وظيفة صاحب المصيبة لأنه فى مقام الموت يستوى الخفير مع رئيس مجلس الوزراء!! وهناك خبر مهم جداً أريد إبلاغه للدكتور نظيف عله يخفف من حزنه، ويتلخص فى أن زوجته التى رحلت «تعيش» عند ربنا فى عالم أجمل وأفضل من الدنيا النكدة الموجودة فى الأرض، وعليه أن يكون على يقين تماماً من هذا الأمر، وهو الإنسان المؤمن الذى يعرف ربه جيداً، وإذا فتحت القرآن الكريم فإنك ستجد بعد فاتحة الكتاب سورة البقرة، وفيها صفات المؤمنين، وأول صفة فى هؤلاء الإيمان بالغيب، ويلاحظ أنها جاءت قبل الصلاة وكل العبادات الأخرى، وهى التى تميز المؤمن عن غيره، فهو يعتقد أن هناك حياة أخرى متكاملة بعد رحيله عن الأرض، ومتأكد من ذلك لأن ربنا أخبرنا بها، أما «غيره» فهو مسكين ينظر تحت قدميه فقط ولا يفكر فى المستقبل الذى ينتظره بعد وفاته، وصدق ربى عندما وصف هؤلاء بأن لهم قلوباً لا يفقهون بها، وآذاناً لا يسمعون بها، وأعيناً لا يبصرون بها، وقال عنهم إنهم كالأنعام بل هم أضل!! وهناك أسئلة قد يطرحها الدكتور أحمد نظيف، لكنه لا يجرؤ أن يسألها لأحد نظراً لحساسيتها الشديدة، لذلك أعرضها نيابة عنه، وأحاول الإجابة عنها، وتتلخص فى موضوع واحد: لماذا يارب اخترت زوجتى دون غيرها، وقد كنت فى أشد الحاجة إليها، خاصة فى هذا الوقت بالذات الذى أحمل فيه مسؤولية بلد بأكمله! وما حكمتك يا خالق الكون فى أن تبدأ رحلة زوجتى مع المرض فى الوقت الذى توليت فيه منصب رئيس الوزراء؟ خمس سنوات وهى تتألم وفى عذاب مستمر مع أنها كانت إنسانة فاضلة وطيبة ومخلصة، ولا تستحق كل هذا البلاء! لقد ماتت قبل أن تكمل الستين من عمرها ونحن جميعاً فى أشد الحاجة إليها.. أنا وولداى شريف وخالد.. بينما هناك من طال بهم العمر وعاشوا فى صحة جيدة «إشمعنى زوجتى». والإجابة يا سيدى مستمدة من كتاب الله، وتحديداً تلك الآية التى تقول «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، ومن فضلك لاحظ المقطع الأخير: «الله يعلم وأنتم لا تعلمون»! لقد مرضت زوجتك فى الوقت الذى توليت فيه أنت المسؤولية ليكون هذا اختباراً صعباً لحبك لها، ويشهد كل من عرفك أنك نجحت بامتياز فى امتحان الحب والغرام! رفضت أن يشغلك أى شىء فى الدنيا عن حبيبة القلب، وكنت دوماً إلى جانبها برغم كل مسؤولياتك الجسيمة، والحمد لله أنها ماتت بعدما اطمأنت على ولديها، وشهدت أول أحفادها من ابنها البكر، وعقبال بقية الأحفاد، وإن شاء الله يكون المرض الذى أثيبت به قد نجح فى تطهيرها من كل سيئات الدنيا لتذهب إلى ربنا، زى الفل، وصدق من قال عن الموت: أنتم السابقون ونحن اللاحقون.