هل كانت تشنيعة راح الرجل ضحية لها، أم كانت واقعة حقيقية تستحق أن تدرج فى كتب العجائب؟ لا أحد يدرى بالضبط، ولا أحد حتى يدرى منذ متى ارتبط برئيس تحرير الصحيفة الحكومية البارزة ذلك اللقب المهين الذى بات الجميع يطلقونه عليه، «آس مان ass man»، دون أن يبادر أحد حتى لترجمة اللقب إلى العربية الفصحى، لكن الذى يدريه الجميع ومتأكدون منه أيضا أن اللقب كان لائقا عليه تماما. كالعادة غالى البعض فى التشنيع فقال إن حكاية رئيس التحرير مع لقب «آس مان» بدأت عندما صحا يوما من النوم وأخذ طريقه المعتاد إلى الحمام، وعندما نظر فى المرآة فوجئ بأنه ينظر إلى مؤخرته، ظن نفسه حالما فى البداية، لكنه بعد أن أمعن النظر تأكد له أنه لم يكن حالما ولا واهما، حتى زوجته وأبناؤه أكدوا له وهم منهارون فى البكاء أنهم يسمعون صوته يأتيهم من تحت، وهو أصر على أن يذهب إلى مكتبه فى موعده المعتاد ليتأكد أنه لا يعانى هو وزوجته وأبناؤه وخدمه وحرسه وسائقوه من حالة ضلالة جماعية كالتى حكى له عنها أستاذ الطب النفسى الشهير الذى يكتب فى جريدته، وفى مكتبه فوجئ بأن الكل تعامل مع ما حدث له على أنه أمر واقع، ووصلت إليه ضحكات حساده الشامتة المصحوبة بقولهم إن ما حدث يدل على أن الطبيعة تصحح أخطاءها. بعدها بأيام وعندما وصل الخبر إلى حاكم البلاد الذى كان يحبه ويقربه إليه، انهار رئيس التحرير تحت قدميه طالبا منه أن يرسله للعلاج فى الخارج على نفقة الدولة ليعيد رأسه إلى مكانها، والحاكم قال له ضاحكًا من قلبه «وليه بس.. ما تخليك كده.. أنا بقيت باحس بيك أكتر». بالطبع لم تكن تلك الحكاية بكل تفاصيلها التى قرأتها الآن سوى تشنيعة حقيرة من نفوس دنيئة، وإلا لكنا قد لاحظنا نحن مع سائر المواطنين ذلك التبدل المزعوم كلما أطل صاحبنا بوجهه فى البرامج التليفزيونية الحكومية أو الفضائية التى يحب حاكم البلاد أن يراه فيها مدافعا عن سياساته، أو حتى عند مرافقته للحاكم فى زياراته التاريخية التى كان «الآس مان» يلعب فيها دور النديم بإجادة ظلت دائما موضع حسد أقرانه. لكن أيعنى ذاك أن الحكاية برمتها لا أساس لها من الصحة؟ بالطبع لا، فما كان لنا أن نشير لها لو كانت مجرد لغو مبتذل من ذلك الذى يتناقله الناس بينهم فشّاً لغلِّهم وتعويضا عن عجزهم. الحكاية وما فيها أن رئيس تحرير الصحيفة الحكومية صحا من نومه ذات صباح قريب على آلام موجعة فى رأسه ظنها فى البداية صداعا حادا سيروح لحاله، ثم لما لازمه الصداع طيلة اليوم والأيام التى تلته، وبدأ يؤثر على أدائه الترفيهى مع حاكم البلاد الذى سأله أكثر من مرة أمام الناس «مالك مش على بعضك ليه؟.. تحب تريح شوية»، فاضطر صاحبنا لزيارة أكبر أطباء المخ والأعصاب فى البلاد سرا، وأجرى الفحوص والتحاليل اللازمة التى بُعثت على عجل إلى أكبر معامل لندن وباريس، لتكون النتائج تحت تصرف كونسلتو تم تشكيله بعناية من أطباء ذوى تخصصات مختلفة، وعندما جاء موعد إعلان نتائج عمل الكونسلتو، وبعد أن كادت روحه تزهق من ألم الصداع ورعب الانتظار، فوجئ بالطبيب الشهير يقول له مترددا إنه لا يعرف كيف يصارحه بنتيجة ما توصلوا له، كاد «الآس مان» يهوى من رعبه، لكنه خشى أن يكون أعداؤه قد دسّوا له كاميرات سرية، فتماسك سريعا من باب الاحتياط وقال للطبيب وهو يحكم قبضته على مخارج حروفه «قدامى قد إيه عشان أموت يا دكتور»، لكنه فوجئ بالدكتور يقول له «لا إنت هتعيش كتير.. كل وظائفك الحيوية زى الفل»، فغر «الآس مان» فاه سائلا «أمّال الآلام الفظيعة دى سببها إيه يا دكتور»، الطبيب صمت طويلا، لكنه اضطر لمصارحة صاحبنا بعد أن ألحّ عليه وكان على وشك أن يريه العين الحمراء، فقال له الطبيب بعد أن طلب منه الأمان إن نتائج مداولات كونسلتو الأطباء الذى استعان بمشورة زملاء من خارج البلاد «تؤكد أننا بصدد معجزة طبية فريدة وهى أن رأس سيادتك أصبحت فجأة تؤدى جميع وظائف المؤخرة»، والطبيب اندهش أن «الآس مان» لم يصرخ فيه لكى يخرس أو ينهال عليه ضربا وركلا، بل سأله بصوت مبحوح وكأنه اتخذ قرارا فوريا بالتعايش مع الواقع «طيب الآلام الفظيعة اللى فى دماغى دى تفسيرها إيه»، والدكتور جاب له من الآخر وقال «بسيطة يافندم دى آلام بواسير». * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]