«جايد» حالة فتاة إنجليزية

اختلاف الثقافات بيننا وبين الغرب يظهر فى كثير من الأمور اليومية والحياتية، وكى أشرح لكم وجهة نظرى أحكى لكم عن «جايد»، الفتاة البريطانية ذات السابعة والعشرين، والتى توفيت منذ أسابيع قليلة. و«جايد» هو اسم حجر كريم.. عرف الناس «جايد» من خلال أحد أشهر برامج الواقع- كما تسمى فى التليفزيون البريطانى- ويدعى «الأخ الأكبر»..
الفكرة شبيهة بيوميات ستار أكاديمى دون غناء أو رقص، ولكن نتعرف على مجموعة من الشباب، وعن طريق التليفون يصوّت الناس لمن يبقى ومن يخرج من الدار. «جايد» عُرفت بخفة ظلها وجرأتها الشديدة، فقد تحدثت أمام الجميع عن معاناتها كطفلة لأبوين مدمنين، وحكت كيف أن والدها كان يحقن نفسه أمامها بالمخدرات، وهى لا تزال فى الخامسة من عمرها، وعاشت بعدها مع أمها المدمنة تعتنى بها، وكأن الأدوار كانت معكوسة، ورغم أنها لم تفز بالمركز الأول، فإن الناس أحبوها وانهالت عليها العروض للإعلانات وما شابه ذلك، وأحبّت وأنجبت ثم انفصلت عمن تحب وأحبت شاباً آخر يصغرها واتُهمت مرة بالعنصرية لتحاملها على ممثلة هندية ثم اعتذرت لها علناً..
المهم لن أطيل عليكم، أصيبت «جايد» العام الماضى بسرطان الرحم «سلام قولاً من رب رحيم» وأخبرها الأطباء صراحة بأن أيامها أصبحت معدودة، فقررت وهى أم لطفلين (الأول فى الخامسة من عمره والثانى فى الرابعة) تأمينهما مادياً حتى لا يعانيا مثلما كانت فى طفولتها، فقبلت عرض إحدى المحطات بتصويرها، أى تحولت إلى بطلة برامج واقع..
وبدأ الناس يشاهدونها وهى على فراش المرض تنازع، وقررت الزواج ممن تحب وقررت «التعميد» على طريقة المسيحيين وعمّدت أولادها وهى فى أيامها الأخيرة، وشرحت أسبابها بأنها تريد ضمان لقاء أولادها فى الجنة.. كنت أتابع ما يحدث لها عبر الصحف والمجلات البريطانية وفوجئت برئيس الوزراء البريطانى «جوردن براون» يشجع «جايد» أكثر من مرة على التمسك بالحياة، ويشجع النساء على الاهتمام بصحتهن على اعتبار أن سرطان الثدى وسرطان الرحم من أخطر أنواع السرطانات، وللأسف الأكثر انتشاراً..
وماتت «جايد» وخرج الآلاف من البريطانيين لوداعها. ورغم أننى فى البداية لم أكن أحب جرأة «جايد» فإن طريقتها فى مواجهة المرض وإصرارها على الزواج ممن تحب وتديّنها فى أحلك لحظات حياتها جعلتنى شديدة التعاطف معها.. وحزنت لوفاتها.
«جايد» لم تخجل من الظهور أمام الصحف والتليفزيون حليقة الرأس بعد أن تساقط شعرها بسبب العلاج الكيماوى.. وعندما بدأت الكلام بحديثى عن اختلاف الثقافات كنت أقصد هنا ثقافة المشاركة وشجاعة المواجهة.. أبعد الله عنكم وعنّا كل مكروه.
rola_kharsa@hotmail.com