وهكذا كما توقعت انهالت على معاول الإرهاب... إرهاب الفكر والرأى المخالف.. فلم نعد نقبل الاختلاف ولم نعد نعرف حتى كيف نتحاور.. خاصة إذا اقتربنا من الدين .. فأنت فى خندق من اثنين، إما معهم فأنت صالح، أو تخالفهم فأنت بذلك كافر كافر تستحق الرجم. كتبت عن الشادور الإيرانى، الأسبوع الماضى، ذلك الملبس الغريب علينا الذى بدأ ينتشر بين بناتنا ونسائنا لسهولته وانخفاض سعره وبراعة موزعيه.. يرتديه بعض النساء فى مصر دون أى وعى برمزيته السياسية أو بأنه ملبس ينتمى لثقافة أخرى ومذهب آخر وأنه - فى رأيى - اختراق واضح لثقافتنا وهويتنا وضياع لشخصية المرأة المصرية. معظم الردود التى وردتنى انحازت للقضية الدينية، ولم تناقش الفكرة الأصيلة التى طرحتها. لم تزعج الكثيرين قضية الهوية، وضياع الثقافة وغياب الدور المصرى فى الإشعاع الثقافى. لم يزعج الكثيرين أن الشادور إنما هو علامة على ضعف ثقافتنا ورخاوتها واستعدادنا أن نمتص كل الظواهر حولنا دون وعى ودون تفكير.. لم يزعج أحداً أن الشادور أصبح ظاهرة تشكو منها دول أخرى لأنه اختراق ثقافى إيرانى واضح يحول الشارع المصرى إلى شارع بلا هوية، بل انصب الأمر على النقيض: هل تفضلين اللبس المحزق والعرى وماله الشادور إن كان يحافظ على جسد المرأة، هل أنتِ ضد الحجاب؟، وماله المذهب الشيعى ونحن هنا نحب آل البيت. إيران دولة عظمى، يا ليتنا نشبه إيران.. وهكذا.. والحقيقة أننى لن أرد على كل رأى على حدة ولكن سأعود لأقول مرة أخرى إن القضية ليست قضية دينية – لا أتحدث هنا عن الحجاب - ولا يحاول أحد إقناعى بأن الشادور فجأة تحول إلى كل أشكال الحجاب فى العالم.. ألا يوجد ما يستر جسد المرأة سوى زى إيرانى؟! لماذا لا ترتدى المرأة المصرية زياً يلائمها ولا ينتقص من شخصيتها؟ ولماذا يجب أن يكون غير الشادور هو النقيض؟ ألا يوجد وسط؟ أين ذهبت الحشمة والزى الوسطى الطبيعى؟!.. لماذا نفضل التعامل فقط مع الحدود القصوى.. إما شادور وإما ملابس عارية؟! هل هذا منطق حوار؟! هذا عن الملبس، وماذا عن الهوية؟ أشعر بخيبة أمل أن أجد من يتخلى – لو قارىء واحد - عن هويته المصرية العربية فجأة وبكل سهولة لصالح أى ثقافة أخرى وأى هوية أخرى إيرانية كانت أو غيرها.. إن اعتزاز المصرى بهويته وثقافته كان دائما ما يميزه. فلماذا أشعر بأننا أصبحنا نتخلى عنها بسهولة، فى ملبس وفكر وتشيع؟! ولماذا أشعر من نساء بلدى بأنهن تنازلن عن هويتهن بكل تلك البساطة، فنعود ونتحدث عن «احتجاب» المرأة وفصلها عن الرجال، ونعدد مزايا الخمار التى شاركت به المرأة فى ثورة 1919!! وكأن أجيالا كاملة من النساء اللاتى حاربن من أجل تحرر المرأة من الخمار ومن البرقع ومن التفرقة مع الرجل قد ولّت... وكأن كل ما حاربت من أجله هدى شعراوى وسيزا النبراوى فى عشرينيات القرن الماضى قد مُحِىَ من عقولنا.. وعدنا ندافع عن النقاب والخمار والآن الشادور، لمجرد تخيلنا أنه يمثل الزى «الدينى»!! أما عن الفكر.. فأخشى ما أخشاه أن تكون تلك البداية. بداية تغلغل فكر غريب ليس منا.. لقد كنا دائما أمة وسطاً.. فلماذا فجأة تحولنا إلى التطرف، وكأنه الملاذ الوحيد من هجمة «الغرب وانحلاله»، هل هذا معقول...!! يا نساء مصر... أفقن من الغفلة. إن المرأة المصرية أذكى من ذلك كثيرا، أذكى من أن يحاول أحد استخدامها أو اختراقها بفكر ليس فكرها، وثقافة ليست ثقافتها.. ويحاول تعطيل دورها مرة أخرى بزى قد يعوق عملها.. بدعوى أنها الحشمة أو أنه الزى الدينى الوحيد اللائق.. بينما هو يحمل رسالة سياسية ومذهبية غير ذلك.. واقرأوا الصحف الإيرانية.. يا نساء مصر.. أفقن من الغفلة. [email protected]