إذا ما أخذ الرئيس باراك أوباما بجدية مسألة ترميم العلاقات مع العالم العربى وإعادة تأسيس موقع الولاياتالمتحدة كوسيط أمين فى محادثات الشرق الأوسط، فلابد له من اتخاذ خطوة لتقريب التباين فى وجهات النظر حول تلك العبارة المتنازع عليها، الإرهاب. أعادت حرب غزة الأخيرة إلى الأذهان بشدة التحديات التى تواجهها واشنطن فى التوسط فى النزاع، حيث ترفض الولاياتالمتحدة الحديث المباشر مع بعض اللاعبين الأساسيين، بمن فيهم حماس وحزب الله، ممن يطلق عليهم جماعات إرهابية. فسواء أكانت الولاياتالمتحدة لا تريد التحدث مع جماعات معادية بسبب أنها تعتبرهم إرهابيين، أم إنها تلصق لافتة الإرهاب على الجماعات التى تريد معاقبتها أو تهميشها، فالمشادة حول المصطلح أصبحت ممرا إلى قضايا أكبر تفرق ما بين واشنطن والشعوب العربية. كان الخلاف فى وجهات النظر قد توسع عندما أعلن الرئيس جورج دابليو بوش حربه على الإرهاب فى 2001، وعادت الأمور لتتفاقم فى غزة عندما صار غالبية العرب متأكدين من هوية الإرهابيين الحقيقيين. فيقول محمد شاكر السفير السابق لمصر فى بريطانيا: «ينظر الرأى العام إلى ما حدث فى غزة على أنه نوع من الإرهاب». «ومن جهة أخرى، فإنهم ينظرون إلى حماس والمنظمات المماثلة كجماعات تسعى إلى تحرير بلادها». ولا يرى أكثر الناس هنا سوى فرق طفيف بين إطلاق حماس للصواريخ على مناطق المدنيين فى إسرائيل، وإطلاق إسرائيل للصواريخ على غزة، سواء كان مقاتلو حماس يطلقونها منها أو أنهم يختبئون فيها فقط. تركز إسرائيل دائما على توضيح أن هناك فرقا بين إسرائيل وحماس، قائلة إن قواتها تقتل المدنيين فقط كنتائج مؤسفة غير مقصودة للحرب، بينما تستهدف حماس مهاجمة المدنيين. وقال دورى جولد السفير الإسرائيلى السابق فى الأممالمتحدة: «تتمثل مساعى القوات المسلحة الإسرائيلية فى مواجهة القوات المعتدية على مدنييها، ويحدث دمارا على نحو غير مباشر فى بعض الأحيان». ويضيف «وهذا يحدث فى كل الحروب وكل الصراعات». ولا يقنع هذا الطرح أى شخص هنا، ويستاء الناس من الولاياتالمتحدة التى تصنف حماس كمنظمة إرهابية، بينما تعامل إسرائيل كصديق حميم. ويقول عبدالبارى عطوان: «إذا كنت مع الأمريكيين فأنت محارب شرعى، وأنت بطل، ولكن إذا حاربت ضد أحد البلدان التى تؤيدها أمريكا، فأنت فى هذه الحالة إرهابى». طلب أوباما من مبعوثه جورج ميتشيل أن يذهب إلى الشرق الأوسط ويستمع إلى الناس هناك. ولكن عندما تشير الولاياتالمتحدة إلى حماس، أو إلى حزب الله، باعتبارهما منظمات إرهابية، فإن عموم الناس هنا يستنتجون أن واشنطن ما زالت لا تستمع إلى أى شىء. وربما تكون الحالة أكثر تعقيدا مع حزب الله، الذى ترجع الفصائل اللبنانية إليه فضل أنه فرض على إسرائيل التخلى عن احتلال جنوب لبنان بعد عشرين عاما، وهزم إسرائيل فى حرب عام 2006، وأدخل أعضاء له فى حكومة لبنان وبرلمانها. ويقول هانى حسن، بائع الأزهار فى متجر عمه بضاحية المعادى الهادئة بالقاهرة، الذى يبلغ من العمر تسعة وعشرين عاما، «إذا كان أوباما يعتقد أن هذه المنظمات إرهابية فلن يكون هناك سلام». «الإرهابى هو بن لادن. وإذا ما كانت أمريكا تعتقد أن هذه المنظمات إرهابية فعليها إقناعنا بذلك». هناك حالات محددة يوجد بها إجماع كبير حول من هم الإرهابيون، مثل اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر التى شنتها القاعدة، والاعتداء على مدرسة فى بيلسن بروسيا، وتفجيرات إسبانيا ولندن (رغم أنه حتى فى هذه الحالات ليس هناك إجماع كامل). ولكن فى الغالب يشار إلى غزو العراق على أنه عمل إرهابى. وتثير قضية تحديد الإرهابيين الانفعالات غالبا، وتشعل الخلافات الدبلوماسية. وعلى سبيل المثال، سحبت إيران رسميا سفراءها من الاتحاد الأوروبى بسبب قيامه بحذف منظمة مجاهدى خلق الإيرانية من قوائم المنظمات الإرهابية المحظورة. فإيران تعتبرها جماعة إرهابية مكرسة للإطاحة بالدولة. وقال مهدى سافارى نائب وزير الخارجية للسفراء فى طهران: «جمهورية إيران الإسلامية تدين معايير الاتحاد الأوروبى المزدوجة المتعلقة بظاهرة الإرهاب». أما رون بونداك، مدير مركز بيريز للسلام فى إسرائيل، فيقول: «أنا أتفق مع اعتبار حماس وحزب الله منظمات إرهابية، ولكنى أعتقد أننا لابد أن نتحدث معهم حتى يمكنا تحقيق أهدافنا». ويتساءل مع غيره من المحللين بالمنطقة عما يحدث إذا ما أصبح استخدام مصطلح «الإرهاب» بغرض التبسيط، والهجوم المضاد الذى يعكس فى حد ذاته نفوذ الراديكالية المتزايد فى الجانبين. ويضيف بانداك: «من المفيد أن نتذكر على سبيل المثال أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل تعتبران محمد عباس من فصيل فتح قائدا شرعيا للفلسطينيين، فى حين كانت فتح وقائدها ياسر عرفات تحسب على الإرهاب منذ عهد قريب.» كما يقول: «نحن نشعل جنون الارتياب لدى بعضنا بعضا من خلال مواصلة استخدام الخطاب التبسيطى». فى مصر وغزة والسعودية ولبنان لا يرى الناس سوى النفاق فى أسلوب استخدام الغرب للافتة الإرهاب ويرتبط هذا الإحساس بصورة وثيقة بالاعتقاد بأن الغرب يخص المسلمين بهذا المصطلح. حاول أوباما مواجهة هذا المنظور من خلال محاولة توسيع علاقاته فى العالم الإسلامى، ولكن مع قرب ذكريات غزة من الأذهان، ومع استمرار واشنطن فى تعريف حماس وحزب الله باعتبارهما جماعتين إرهابيتين، فإن الآراء لم تتغير بعد. فى الأسبوع الماضى، قال عماد جلال الذى يقف فى مدينة غزة ليبيع كروت شحن التليفون المحمول، والذى يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاما: «تسأل عما نشعر به حيال هذه الكلمة، وكيف نعرفها؟ أولا دعنى أصف إليك كيف نستقبلها عندما تستخدم من قبل الأمريكيين والإسرائيليين. نحن نشعر وكأنك تستخدمها كبديل لكلمة مسلم. فكل مسلم إرهابى فى ذهنك، لا أكثر ولا أقل.» وفى القاهرة، عندما سئلت وفاء يونس التى تبيع الخبز والبصل الأخضر والنعناع على أحد الأسوار، بينما تأكل الماعز النفايات عبر الشارع، حول النصيحة التى يمكن توجيهها إلى أوباما فى محاولته إصلاح وجهة نظر العرب فى عداء واشنطن لهم. فقالت: «عليك أن تفهم آراء كل الأشخاص ومطالبهم، وتتفاوض معهم. لن يكون هناك سلام بدون ذلك».