لم يتبق من حظائر الخنازير سوى انبعاث الروائح الكريهة والعشش المليئة بالكلاب وأكوام القمامة التى كانت تتغذى عليها الخنازير، وبعض الدواجن. بعد 40 عاماً فى تربية وبيع الخنازير أصبحت «أم ناصر»، إحدى أصحاب زرائب الخنازير فى منطقة «بطن البقرة»، بمصر القديمة، بين يوم وليلة دون مصدر للدخل هى وأولادها الثمانية، وبعد قيام مديرية الصحة بإعدام 25 خنزيراً، هى إجمالى القطيع الذى تتولى تربيته وبيعه للجزارين. «أخذوا الخنازير اللى كنا بناكل ونشرب وننكسى من وراها..» هكذا تصف «أم ناصر» فى حسرة حال أسرتها بعد أن فقدت مصدر رزقها، وقالت: «كنت باربى ال25 خنزير دول علشان أبيعهم وأجهز بتمنهم بناتى صباح وسعدية لأن الاتنين مخطوبين.. لكنى دلوقتى مش عارفة هاجهزهم إزاى ولا منين». وتروى «أم ناصر» تفاصيل يوم إعدام وذبح خنازيرها قائلة: «جاءت صباح يوم الخميس الماضى قوة من حى وقسم شرطة مصر القديمة ومعهم فريق طبى من مديرية الصحة قاموا أولاً بأخذ عينات منا ومن الخنازير، ثم اصطحبوها إلى المدبح، الذى دخلناه لأول مرة فى حياتنا، وقبل ما يكلمونا على التعويضات طلبوا مننا 15 جنيه، عن ذبح كل خنزير، ودفعنا من غير ما نعرف هنعوض الفلوس دى إزاى». وانتقدت الأسلوب الذى تعاملت به قوات الأمن مع أفراد أسرتها أثناء تفريغ حظيرتها من الخنازير: «جاءوا على غفلة من غير ميعاد.. وضربوا كل اللى واقف قدامهم.. واللى كان يسألهم عن التعويضات كانوا بيسحبوه على البوكس.. وعلشان كده سلمنا أمرنا لله». وعن إمكانية تعويضها ببعض المواشى لتربيتها بدلاً من الخنازير قالت: «المواشى تربيتها غالية، ومش هتجيب مكسبها، لكن الخنزير كان حيوان رمة، بياكل طول النهار فى فضلات الأكل اللى كانت بتيجى فى عربية زبالة نص نقل كنا بنشتريها ب5 جنيه بس». جميع جيران «أم ناصر» يشفقون عليها بعد أن أصبحت «على الحديدة» - على حد قولها. وعن تخوفها من إصابتها بعدوى أنفلونزا الخنازير التى اجتاحت العالم بسبب مخالطتها لهذا الحيوان قالت: «الحكومة رشت الزريبة مرتين بالميه والكلور، وأخدوا مننا عينات، ولما سألنا الدكتور عن سلامتها قال: ماتخافوش.. لو فيها حاجة مصر كلها هاتتقلب عليكو». لم يختلف حال أيمن، صاحب إحدى حظائر الخنازير، بعد أخذ خنازيره التى وصل عددها إلى 33 خنزيراً عن باقى أقرانه من مربى الخنازير، وجلس أمام الحظيرة واضعاً يده على خده قائلاً: «حسبى الله ونعم الوكيل»، فلم يعد لدىَّ مصدر رزق للإنفاق على أسرتى المكونة من 7 أفراد بعد إعدام 30 خنزيراً «عُشر» و«رضّع» وذبح 3 فقط، واضطررت إلى بيع الكيلو منها بخمسة جنيهات فقط لأحد الأشخاص لعدم توافر ثلاجة لتخزين لحم الخنزير بها. وتابع أيمن قائلاً: تخرجت فى السياحة والفنادق عام 1998، إلا أننى لم أستطع الحصول على فرصة عمل تناسب مؤهلى فاضطررت إلى العمل بتجارة الخنازير للإنفاق على أسرتى، وأخذت تصريحاً من محافظة الجيزة لجمع القمامة من الوحدات السكنية بحى العمرانية، وارتضيت بحالى حتى قررت الحكومة ذبح جميع الخنازير وإعدام «العُشر والرضّع» مما يعد خراب بيوت لمئات الأسر المصرية وكان التعويض من الحكومة «قطع عيشنا وضربنا على القفا». وأضاف: سنجمع القمامة من الوحدات السكنية.. وسنضطر إلى رميها فى الشارع.. لأنه لم يعد هناك ما يتغذى عليها.