تألمت ألماً شديداً عندما قرأت مقال الفنان محيى الدين اللباد فى جريدة «أخبار الأدب» الأسبوعية عدد الأحد الماضى. قال الفنان إن «المسؤولين» فى وزارة الثقافة طلبوا منه تصميم ملصق مصر كضيف الشرف فى معرض تورينو الدولى للكتاب الذى يقام فى مايو الحالى، وأنه صمم الملصق، ولكن «المسؤولين» فى هيئة الكتاب التى تنظم الاشتراك المصرى فى المعرض الإيطالى رفضوا التصميم، ولهذا عنون مقاله ب«سقطت فى امتحان لم أتقدم إليه». وما حدث ليس إهانة للفنان، وإنما ينطبق عليه قول شاعر العرب المتنبى «وإذا أتتك مذمتى من ناقص، فهى الشهادة لى بأنى كامل». ولو كنا فى مصر الأخرى التى نقرأ عنها فى الكتب، والتى ذهبت مع الريح، لرفع الفنان دعوى قضائية وحصل على الملايين كتعويض مادى بسيط عما لا يعوض أدبياً، أو لما حدث مثل هذا الموقف أصلاً. يعيش كل بلد، ويبقى ولا ينقرض، بمواهبه البشرية أولاً وأخيراً. ومن الأقوال الشائعة المبسطة أن شكسبير عبر عن الثقافة الإنجليزية وأن نجيب محفوظ عبر عن الثقافة المصرية وكأن هناك شيئاً ما جاهزاً اسمه الثقافة الوطنية، وجاء هذا أو ذاك من عمالقة الإبداع وعبروا عنه، بينما ساهم شكسبير فى «صنع» الثقافة الوطنية فى بريطانيا، وساهم نجيب محفوظ فى «صنع» الثقافة الوطنية فى مصر. محيى الدين اللباد أحد أضلاع المثلث الذهبى للتصميم فى مصر المعاصرة مع حلمى التونى وناجى شاكر، وهم مثل كل الذهبيين فى كل العصور، وكل البلاد مصريون حتى النُخاع، ومبدعون حتى النُخاع، وعالميون بكل معنى الكلمة، أى أن إبداعهم يتجاوز الإضافة إلى التصميم فى مصر، ويضيف إلى التصميم فى العالم كله، وأكبر جوائز الدولة فى مصر تتشرف بهم، وليس لجنة من «المسؤولين» فى هيئة الكتاب المعروفة بالعقم الإدارى المطلق، التى يشوه وجودها فى دار الكتب المعنى العظيم لهذه الدار. وأضع كلمة المسؤولين بين قوسين عن عمد، فقيمة هذه الهيئة تتمثل أولاً وأخيراً فى احترام الكتاب والفنانين، وهناك ألف شاهد وشاهد على أنها لا تحترمهم، وأحدث الشواهد ما حدث مع اللباد الكبير، لأن ابنه اللباد الصغير (أحمد) لا يقل عنه موهبة ونشراً للجمال فيما كان يطلق عليه كامل زهيرى، رحمه الله محو أمية العين. وزارة الثقافة مدينة باعتذار رسمى لأحد رموز الإبداع فى مصر. [email protected]