أسباب كثيرة دعتنى لتلبية دعوة سفيرة السويد فى القاهرة، السيدة مالين كارى، لحضور أمسية أقامتها فى منزلها لمتابعة نتائج الانتخابات البرلمانية التى جرت فى السويد يوم الأحد الماضى، حضرها إلى جانب طاقم السفارة وبعض أفراد الجالية السويدية، عدد من المصريين كان من بينهم سفير سابق، ومحامون، وناشطون فى منظمات حقوق الإنسان. وبعد أن ألقت السفيرة النشطة كلمة قصيرة، رحبت فيها بالحضور، وشرحت فكرة الأمسية وقدمت برنامجها، تابعنا جميعا على الهواء، عبر شاشة ضخمة تصلنا بالتليفزيون السويدى وضعت فى صالة المنزل، إعلان النتائج الأولية لهذه الانتخابات. كان ذلك فى تمام التاسعة مساء بالضبط، الثامنة بتوقيت السويد، وهو الموعد المحدد لإغلاق صناديق الاقتراع. ثم تحدث الدكتور فريدريك أوجلا، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة أوبسالا، والمعار لوزارة الخارجية السويدية للإشراف على برامج الحكم الديمقراطى وحقوق الإنسان، وقدم شرحاً وافياً لتطور الحياة البرلمانية، ودلالات تحول طرأ على الواقع السياسى فى السويد، وعكسته نتائج الانتخابات البرلمانية هناك خلال العقد الأخير. وتولى متحدثون آخرون شرح النظام الانتخابى والتسهيلات التى تقدمها الحكومة السويدية لتشجيع المواطنين، خاصة الشباب، على الإدلاء بأصواتهم، وأعقب ذلك حوار شارك فيه الحضور، ثم راحوا يتابعون بين الفينة والأخرى نتائجها الفعلية، كما تعلن تباعا عبر الشاشة المثبتة أمامهم. كان أكثر ما لفت نظر الحضور من المصريين، وأثار العديد من أسئلتهم وتعليقاتهم، وأحيانا «قفشاتهم» خفيفة الظل، ما سمعوه فى تلك الأمسية عن إجراءات لتحفيز المواطنين على المشاركة فى التصويت، بدت شديدة التبسيط إلى درجة مثيرة للدهشة. فقد تبين أن بوسع الناخب السويدى، خاصة المقيم فى الخارج، أن يضع بطاقة يسجل فيها خياراته فى مظروف خاص، ثم يلقى به فى صندوق بريد عادى من أى مكان فى العالم، خلال خمسة عشر يوما قبل الموعد المحدد لإجراء الانتخابات. ليس هذا فقط، بل بوسع كل ناخب يشارك فى تصويت ما قبل الموعد المحدد أن يغير رأيه ويعدل تصويته فى أى وقت، قبل فض المظاريف وتسجيل التصويت. ولتشجيع الشباب على المشاركة أصبح بإمكانهم أن يدلوا بأصواتهم فى الأندية الرياضية، أو فى مطاعم «ماكدونالدز» أو فى المقاهى التى يرتادونها بكثافة!. عندما يسمع هذا الكلام أناس يعيشون فى بلد تقوم فيه قوات الأمن المركزى بمنع مواطنين من الوصول إلى صناديق الاقتراع، و«يدوخ» فيه الناخب الملتزم قبل أن يعثر على لجنة يمكنه أن يدلى فيها بصوته، ثم يكتشف بعد أن يعثر عليها أن اسمه المدون فى الكشوف كتب خطأ، عن عمد فى معظم الأحيان، من الطبيعى أن تصيبهم حالة من الذهول المثير للنكات والقفشات. وقد ذكرتنى تلك الأمسية بالمشاعر التى انتابتنى حين أتيح لى أن أتابع، فى سهرة مماثلة، أول انتخابات برلمانية فرنسية شهدتها فى بداية سنوات الدراسة، حيث اكتشفت وقتها أننا نعيش فى كوكب آخر. اقترب موعد الانتخابات التشريعية المقبلة فى مصر. ولا أظن أننا سنسمع عن سفير مصرى وجه دعوة لأفراد من جاليته ولمواطنين من الدولة التى يقيم فيها ليتابعوا معه نتائج الانتخابات التى ستجرى فى ذلك اليوم. فالكل يعرف مسبقا أن هذه الانتخابات، كما سابقاتها، ليست مدعاة للفخر. وعندما يحدث ذلك فى يوم من الأيام ستدرك حينئذ فقط، عزيزى القارئ، أن مصر تغيرت. غير أن ذلك لن يحدث إلا فى حالة واحدة فقط وهى إصرار الشعب على مقاطعة «مهزلة» ما يطلق عليه «الانتخابات» إلى أن يتم تغيير قواعد اللعبة التى تجرى على أساسها بالكامل.