هذا المقال أكتبه فقط لكل من يريد أن يقنع نفسه بإمكانية أو حتى احتمال الثقة فى إسرائيل يوماً ما.. إذ يبدو لى كثيراً أن الصراع العربى - الإسرائيلى يخضع لنظرتين لن تلتقيا.. عين عربية تطلب السلام العادل والتعايش مع الجميع، وعين إسرائيلية ترى أن القضية فى جوهرها هى صراع وجود، وأن الوصول إلى نقطة التعايش السلمى يعنى، فى العقلية الحاكمة للمجتمع الإسرائيلى، زوال الدولة التى بنيت على «نظرية الصراع».. فلماذا نسعى دائماً إلى إيهام أنفسنا بأن لإسرائيل يداً قد تمتد للسلام فى أى لحظة؟! هذا السؤال تفجره شهادة الصحفى الفرنسى ريتشارد لابفيير، والتى تنشرها «المصرى اليوم» فى هذا العدد كاملة، فالصحفى البارز معروف بصلته الوطيدة بدوائر الأمن الفرنسى، وهو حين يكشف ضلوع 10 رجال من جهاز الموساد الاستخباراتى الإسرائيلى فى «إسقاط» فاروق حسنى فى انتخابات اليونسكو، إنما يذكر معلومات واضحة ومحددة وذات مصداقية عالية، بل إنه يؤكد أن التقارير التى تم رفعها للجهات الفرنسية المسؤولة تقطع بأن «رجال المخابرات الإسرائيلية» اخترقوا منظمة اليونسكو، وأداروا الحملة ضد مصر من داخل أروقتها.. وتبرز أهمية هذه المفاجأة حين نضعها فى سياق الوعد الإسرائيلى لمصر بوقف الحملة ضد فاروق حسنى، والذى حصلت عليه مؤسسة الرئاسة المصرية «شخصياً» قبل فترة طويلة من بدء الانتخابات.. فلماذا نصدق تل أبيب كل مرة.. ولماذا نتلقى «الصفعة» تلو الأخرى، بينما ندرك جيداً أن إسرائيل ستبقى كذلك، لأنها حين تدير «الصراع»، إنما تديره بقناعات وثوابت، دون الالتفات لوعود شخصية، أو عبارات «فض المجالس»؟! غير أن الأسئلة التى تطرحها شهادة الصحفى الفرنسى - الذى عجز قطعاً عن نشرها فى الصحف الفرنسية، التى يسيطر عليها اللوبى اليهودى - أكثر من أهمية منصب مدير عام اليونسكو، الذى شهد صراعاً مريراً لأول مرة فى تاريخ المنظمة.. والأسئلة كلها فى «المرمى الفرنسى»، إذ كيف دخلت خلية المخابرات الإسرائيلية إلى مبنى «اليونسكو»، وتمكنت من مقابلة أعضاء المجلس التنفيذى من سفراء الدول الأوروبية، رغم أن مديره العام اليابانى فرض حظر دخول المبنى لغير أعضاء المجلس المعتمدين.. من هى الدولة التى ضمت أعضاء الخلية «المخابراتية» إلى قائمة أعضائها المعتمدين داخل المجلس التنفيذى، حتى تمكنوا من الدخول والتأثير وتهديد وإغواء السفراء.. ما أسباب صمت قصر «الإليزيه» على هذا الانتهاك للأمن الفرنسى، والذى تم إخطاره به بواسطة أكثر من جهاز أمنى، وبأى صفة التقى عملاء المخابرات الإسرائيلية مع رجال الإعلام ورؤساء تحرير الصحف الفرنسية، والتى تبنت موقفاً معادياً من المرشح المصرى طوال فترة الانتخابات؟! إن باريس مطالبة بتفسير مقنع وتحرك فورى تجاه هذه «الواقعة»، بعيداً عن النفى السياسى المعتاد فى مثل هذه العمليات الاستخباراتية الشهيرة.. ولكننى لا أنتظر موقفاً حماسياً من فرنسا، لأن السياسة ستظل «لعبة قذرة» يمارسها كاذبون طوال الوقت، وما يهمنى هنا هو «مصر» وليس فاروق حسنى.. فإذا كان عدم الوصول إلى المنصب لا يمثل خسارة كبيرة، فإن عدم الاستفادة من هذا الدرس يمثل الخسارة الأفدح.. ولكننا لا نتعلم.. أو لا نريد أن نتعلم.. وسنظل هكذا مادمنا نمارس السياسة على طريقة «القبلات والأحضان والوعود الشخصية»! [email protected]