تعاملت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل طوال الحملة الانتخابية ولحين فتح مكاتب الاقتراع أمس، أمام أكثر من 62 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات التشريعية، باعتبارها الفائز المضمون مستندة إلى شعبيتها العالية، ومتكئة على نتائج استطلاعات الرأى التى يتوقع أغلبها تصدر ميركل السباق الانتخابى، مع صعوبة الجزم حتى اللحظات الأخيرة بشريكها الأوفر حظا فى الائتلاف الجديد. ولم يبد أن طموح ميركل، أول مستشارة ألمانية منحدرة من القسم الشرقى للبلاد (الشيوعى سابقا)، هو الفوز، بقدر ما كان القلق يساورها على النسبة التى ستحصل عليها من المقاعد ال 600 فى البرلمان، إما لتشكيل الحكومة منفردة، وهو أمر مستبعد، أو على الأقل تجاوز نسبة ال 47% كى تمتلك رفاهية اختيار شريكها المفضل (الليبراليين)، عوضا عن الاشتراكيين، الذين اضطرت مرغمة إلى ضمهم فى ائتلافها منذ انتخابات 2005 الأخيرة. فما يحدث الآن هو أن البلاد تتجه نحو ائتلاف «يمين - وسط» تقوده ميركل، التى تسعى إلى فسخ زواجها مع الاشتراكيين، (زواج المصلحة)، واستبدال الليبراليين بهم، لكن تخوفها من عدم تمكن الحزب الديمقراطى الحر من تخطى منافسه الديمقراطى الاشتراكى، فرض عليها الحرص خلال تعاطيها من الطرفين خلال الحملة الانتخابية، فكانت رغم تجاهلها لشريكها الحالى وزير الخارجية فرانك شتاينماير، ورئيس الحزب الاشتراكى، تتجنب الهجوم عليه، خشية اضطرارها إلى تجديد تحالفها «الكبير» معه، وربما لن تؤثر محصلة تلك الانتخابات جذريا على المشهد السياسى فى الشرق الأوسط، غير أن تفاعلات ما دار - ولايزال - حولها من منافسات حزبية ضجت بالانقسام بين الشرقيين والغربيين، رغم مرور 20 عاما على توحيد شطريها وهدم سور برلين، تحمل العديد من الدلالات، التى تعكسها متابعة القوى الغربية لتلك الانتخابات عن كثب، فموسكو تترقب نتائجها على أمل فوز شتاينماير، الذى ترى فيه امتدادا للمستشار السابق جيرارد شرويدر، وفى المقابل، تدعم الولاياتالمتحدة، وإن لم تصدر عنها إشارات مباشرة فى هذا الصدد، بقاء ميركل على رأس تحالف «يمين - وسط». احتدمت المنافسة لتخرج من نطاق السجال الحزبى، وانسحبت على بقايا المؤيدين من هنا وهناك للمعسكرين الشرقى والغربى، بأجنداتهم المتباينة من اشتراكية يسارية وليبرالية يمينية، الأمر الذى أكد أن جدار برلين وإن تم هدمه منذ عقدين، مازال قائما فى صورة حاجز نفسى بين الألمان، ومرد ذلك الفجوة الاقتصادية، والاجتماعية، بل السياسية العميقة التى مازالت تفصل بين مدن مثل بون (غربا) وبرلين (شرقا)، والتى أظهرت دراسة أجراها معهد «بيلفيلد» للأبحاث مؤخرا أن مواطنين فيها، رغم كونها العاصمة، مازالوا يشعرون أنهم من «الدرجة الثانية».