نجح التحالف الأوروبى الأمريكى مع اللوبى اليهودى فى هزيمة المرشح المصرى لمنصب مدير عام اليونسكو فاروق حسنى وزير الثقافة، وخسر حسنى الانتخابات فى الجولة الخامسة أمس بحصوله على 27 صوتا مقابل 31 صوتا لمنافسته البلغارية أرينا بوكوفا. ووصف محمد سلماوى، رئيس اتحاد الكتاب، النتيجة بأنها تطور خطير فى تاريخ اليونسكو، معتبرا ما حدث «تسييسا للمنظمة التى من المفترض أن تعلو فوق كل الخلافات السياسية وتعمل على نشر الثقافة بين الحضارات المختلفة». وقال سلماوى ل «المصرى اليوم»: إن الضغوط اليهودية نجحت فى تسييس المعركة منذ البداية من خلال حملتها التى ركزت على تصريحات وزير الثقافة عن حرق الكتب دون البحث فى برامج المرشحين، مؤكدا أن هذا سيؤثر بشكل خطير على المنظمة ومستقبلها. وأضاف سلماوى «يجب أن تتم مساءلة هذه الجماعات والدول التى انساقت وراءها ووقفت بشكل حازم ضد تولى مرشح الجنوب لهذا المنصب»، واصفا ما حدث بأنه «سقوط كبير للغرب فى أول اختبار له بالنسبة لدعاوى قبول الآخر وقبول ممثل عن العالم الإسلامي»، ومشيرا إلى أن «الغرب رفض بإصرار قبول الآخر وتحالف لإسقاطه». وأعرب سلماوى عن أمله فى أن «تنعكس النتيجة على العلاقات الثنائية بين دول الجنوب ودول الشمال التى تنادى بالتسامح والتعدد لكنها لا تلتزم به. وعلى الجانب الإيجابى قال سلماوى إن «هذه الانتخابات أثبتت أن العرب يمكن أن يتوحدوا»، حيث كانوا كتلة واحدة مع أفريقيا التى وقفت وقفة «جيدة جدا» مساندة من بعض الدول الأخرى المحبة للعدل والحوار والتسامح . وطالب سلماوى بفتح كشف حساب لما حدث وألا تمر النتيجة مرور الكرام، لأن المعركة «أثبتت» وجود مواقف غريبة لم تكن متوقعة من بعض الدول التى كنا نعتبرها دولا صديقة تربطنا بها علاقات خاصة جدا واستراتيجية على أكثر من مستوى. وقال سلماوى «مصر كسبت وزير ثقافة، والخسارة الحقيقية هى لليونسكو التى تم تسييسها بهذا الشكل الذى ليست له سابقة فى تاريخ المنظمة». من جانبه، أكد وزير الثقافة وجود تكتلات تعمل بسرعة شديدة فى الانتخابات وقال إنه ضد تسييس المنظمة، معتبرا أن الموقف المعادى لترشيحه وسير الانتخابات على النحو الذى نشهده يعد تسييسا لها. وأضاف حسنى، فى تصريح له قبيل بدء الجولة الخامسة والأخيرة مساء أمس، أن عدد الأصوات التى حصل عليها فى الجولة الرابعة يرد على كل من كان يهاجمه. وأشار إلى أن نصف عدد الدول الأعضاء للمجلس التنفيذى كانت معه بما يعنى أن كل ما كان يقال فى الصحف هنا وهناك كان كله افتراءات وأكاذيب. ونفى فاروق حسنى تماما الاتهامات التى طالما وجهت له بمعاداة السامية وبتأييده للرقابة على حرية التعبير والإبداع، مشيرا إلى أن «وراء هذه الاتهامات غير الموضوعية أهداف أخرى»، وقال إن «بعض المؤسسات اليهودية وليست كلها ضد ترشيحه للمنصب نتيجة الخلط بين المواقف السياسية من ناحية والأخلاقية والإنسانية من ناحية أخرى» . وقال حسنى إنه لا يمكن إتمام التبادل الثقافى وتطبيع العلاقات الإسرائيلية - العربية فى ظل استمرار النزاع الفلسطينى الإسرائيلى، وإنما يتعين اختيار الوقت الصحيح لذلك عندما يتم إقامة السلام حيث إن الشعوب هى التى تقوم بالتطبيع وليس رؤساء الدول أو الوزراء. واعتبر وزير الثقافة اليونسكو مؤسسة وآلة عظيمة لتعزيز السلام فى العالم وهناك فرصة متاحة للتعاون مع العالم كله دون استبعاد أى طرف من الحوار بين الشمال والجنوب ، وقال إن «قبول الشمال لمرشح من الجنوب يعزز كثيرا من فرص نجاح هذا الحوار». وتابع قائلا إنه ضد تسييس منظمة اليونسكو، إلا أنه اعتبر أن «الموقف المعادى لترشيحه وسير الانتخابات على النحو الذى نشهده يعد تسييسا للمنظمة» . وكشفت مصادر دبلوماسية أوربية مطلعة عن أن الجانب الأمريكى الأوروبى أجرى اتصالات مكثفة مع أربع دول أوروبية مساندة لمصر، وكذلك بعض الدول الأفريقية التى اختارت أن تصوت لصالح حسنى «لحثها على الامتناع عن التصويت، وليس التصويت لصالح مرشحة بلغاريا». وكشفت المصادر عن وجود إغراءات مالية خلال اليومين الماضيين لإسقاط المرشح المصرى، أو منع التصويت له. وبحسب المصادر فإن «الوفد الأمريكى وبعض الوفود الأوربية حاول إقناع الدول الأخرى بأنهم لا يريدون الدخول فى مهاترات مرة أخرى تؤدى إلى تسييس المنظمة التى تهدف للعمل الثقافى والتعليمي، وهو ما جعلها تمر بأسوأ فترة فى تاريخها من قبل، عندما هاجم مديرها السابق السنغالى أحمد مختار أبو، إسرائيل بشدة، وهو ما أدى إلى انسحاب واشنطن من المنظمة لمدة 19 عاما». وأشارت المصادر إلى أن أوروبا اتبعت طريقة أخرى مع الدول العربية والإسلامية والأفريقية، وهى التركيز على ضرورة اختيار شخص يعلم الكثير عن اليونسكو، وهو ما لا يتوفر سوى فى المرشحة البلغارية على حد قولهم، التى عملت كسفيرة لبلادها فى اليونسكو، وكذلك مفوض فوق العادة بالمجلس التنفيذى فى المنظمة الدولية، وممثلة الرئيس البلغارى لمجموعة الدول الأفريقية والأوروبية الناطقة بالفرنسية. كان حسنى قد حصل على 22 صوتا فى الجولة الأولى من الانتخابات، زادت إلى 23 فى الجولة الثانية، ثم 25 فى الثالثة، وصولا إلى 29 صوتا فى الجولة الرابعة. وتنافس على الانتخابات هذه المرة 9 مرشحين، انسحبوا واحدا تلو الآخر، وقبل الجولة الرابعة انسحبت مرشحة النمسا بنيتا فريرو لصالح زميلتها الأوروبية البلغارية وقالت فى بيان الانسحاب إنها فعلت ذلك من أجل الوحدة الأوروبية، وبعدها بساعات انسحبت المرشحة الاكوادورية إيفون عبدالباقى، وقالت مصادر فى اليونسكو إن الهدف من ذلك هو «دعم المرشحة البلغارية، وأن دول الغرب كانت تسعى إلى حسم المعركة لصالح إرينا بوكوفا فى الجولة الرابعة لكنها صدمت بتعادل حسنى معها». وأضاف المصدر « لم يكن أحد يتخيل أن تتكاتف الدول الكبرى فى العالم، فى أمريكا وأوروبا ضد المرشح المصرى بهذا الشكل»، مشيرا الى أنه «لا يمكن معرفة الدول التى أعطت صوتها لحسنى على وجه التحديد، لأن التصويت سرى ، وهناك دول تعطى وعودا بدعم المرشح المصري، ثم تعطى صوتها لمرشح آخر»، مشيرا إلى أنه حاول فى إحدى المرات إحصاء عدد الدول التى وعدت بدعم حسنى، والدول التى وعدت بدعم مرشح آخر فوجد أن عددها 150 دولة وليس 58 دولة. وتابع بالتأكيد الدول العربية والأفريقية كانت القاعدة الصلبة والقوة الضاربة التى اعتمد عليها حسني، وإن لم يكن قد حصل على جميع الأصوات الأفريقية وعددها 13 صوتاً، مشيرا إلى «صعوبة» الحصول على جميع الأصوات الأفريقية لتنوعها واختلافها من دولة لأخرى. وأشار إلى أن من بين الدول المؤيدة لحسنى والتى ظلت صامدة معه منذ الجولة الأولى دولاً مثل إسبانيا واليونان وربما إيطاليا، وفى أمريكا اللاتينية هناك البرازيل وشيلى وكوبا، والهند من آسيا، وربما هناك 4 دول أخرى قد تكون تايلند وماليزيا والصين وباكستان. وقالت السفيرة شادية قناوى، سفيرة مصر لدى اليونسكو، إن الوفد المصرى عمل بجد فى ظل حملات وضغوط مكثفه يصعب وصفها، تستخدم فيها كافة الأساليب، ضد المرشح المصرى، وهو أمر غير معهود فى العمل الدبلوماسى، على حد قولها.