الجديد الذى كان له التأثير الأساسى فى تحولات سياسات الأمن القومى فى الفترة الثانية لإدارة بوش هو تعيين مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومى كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية. وتأكيدا على نفوذ رايس يشير البعض إلى أنها امتلكت «أذن الرئيس»، وهو ما لم يكن يمتلكه كولن باول، وامتلاك رايس لهذا النفوذ الخاص جعلها وزيرة خارجية قوية وموثوقا بها، ذات قدرة على مواجهة ما كان يسمى ب محور تشينى – رامسفيلد. ولم تقتصر التغييرات فى إدارة بوش الثانية على وزارتى الخارجية والدفاع، حيث طال التغيير أيضا وكالة المخابرات الأمريكية المركزية، ففى 12 نوفمبر 2004 استقال نائب مدير الوكالة جون ماكلوخلين، وتبعه بثلاثة أيام استقالة نائب مدير العمليات ستيفين كابس، ونائبه الأول مايكل سلوسيك، وهو ما أدى إلى استقالة العديد من كبار مسؤولى الوكالة منذ استبدال مدير الوكالة السابق جورج تينيت ببورتر جوس العضو الجمهورى ورئيس لجنة الاستخبارات فى مجلس الشيوخ، ولم يقتصر التغيير داخل الوكالة على الأشخاص فقط، وإنما شمل أيضا مدونة السلوك . قام مدير الوكالة الجديد بورتر جروس بتعميم مذكرة على جميع موظفى الوكالة، شدد فيها على أن مهمتهم الأساسية هى «دعم الإدارة وسياستها»، وحذرهم من أن يكون من النوع المنتقد، وأن يراعوا الابتعاد عن الظهور بمظهر المتصدى بالمعارضة . وكانت وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية خلال الإدارة الأولى تضمن مجموعة شديدى العراك ضد بناء مفهوم الإمبراطورية الأمريكية طبقا لمفهوم المحافظين الجدد، وكانت معارضتهم لبوش تنبع بدرجة كبيرة من الوضع فى العراق بسبب سياسة رأوا أنها تجاهلت عمدا الأوضاع المعقدة للعراق وللشرق الأوسط فى العموم، وتحركت لمصلحة خشنة تؤمن بأن الولاياتالمتحدة يمكن أن تحدد طريقها بالقوة وحدها. وعكست تلك التعديلات رغبة بوش فى الحفاظ على تماسك إدارته الثانية من خلال تعيين الموالين له فى المواقع الحساسة. وتأكيدا لذلك يرى البعض أن جميع أعضاء الوزارة الأمريكية قد اختيروا بواسطة الرئيس نفسه بناء على درجة الولاء والطاعة التى أظهروها خلال فترة رئاسته الأولى. ولم ينسحب ذلك على وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية فقط، وإنما أيضا على الهيئات الأخرى، مما يشير إلى رغبة الرئيس فى فرض سيطرته على هذه الهيئات وتقليص الانتقادات المحتملة لسياساته بين أعضاء إدارته. وقد توقع كثيرون أن تؤدى هذه التغييرات إلى تشكيل إدارة منسجمة خلف أجندة صارمة للأمن القومى تصب فى مصلحة رؤية وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائب الرئيس ديك تشينى، ولكن بسبب علاقة كوندوليزا رايس بالرئيس عادت إليها الملفات التى أتى عليها البنتاجون وتم تحجيم دور وزير الدفاع فى الشؤون الخارجية ليعود لاختصاصه الدقيق كوزير دفاع، على خلاف ما كان عليه الواقع فى الفترة الأولى. لقد كشفت رايس عن أداء مختلف فى وزارة الخارجية، فحسن اطلاعها على العالم الخارجى من خلال جولاتها العديدة مكنها من فهم ما يتطلع إليه العالم من قيادة أمريكية عالمية معتدلة. وكان البعض يتوقع أن بقاء رامسفيلد وتشينى سيكون علامة على الاستمرارية وليس التغيير، وأن قدوم رايس سيدعم سيطرة الفكر الأيديولوجى على مجمل الإدارة، وأنها ستتولى مهمة قمع أى نقد محتمل لسياسة إدارة بوش من داخل صفوف جهاز الخدمة الخارجية. ولكن ممارسات رايس خلال السنة الأولى أكدت قدرتها على تبنى خط آخر جديد. وفى إطار ذلك، لاحظ البعض أن الإدارة انتقلت إلى مزيد من الواقعية، وأرجعوا ذلك إلى تصورات وزيرة الخارجية ذاتها، واستدلوا على ذلك بأن الإدارة التى التزم رئيسها بمحاربة «الطغيان» فى خطابه بمناسبة تنصيبه للولاية الثانية فى يناير 2005، تعاملت بسياسة مزدوجة تدعم «الطغيان» بحيث أصبح «احتضان الطغيان» هو القاعدة بدلا من أن يكون الاستثناء فى السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك استنادا إلى نماذج تعامل الإدارة مع كل من الصين وكوريا وإيران والسلطة الفلسطينية وإسرائيل . لكن الدور الرئيسى الذى تلعبه كوندوليزا رايس هى أنها جعلت القرار بشن الحرب والاندفاع العسكرى أكثر خضوعا للواقع الدولى، وليس فقط أسيرا للأطروحات الأيديولوجية للمحافظين الجدد على العكس من نهج الإدارة الأولى التى سعت إلى السيطرة على الواقع من خلال عدم تقديم الصورة الحقيقية له بهدف ملاءمة السياسات المتبعة مع الأخطار المتوهمة.