بالرغم من الاتفاق العام على وجود تدهور ملحوظ بالتعليم (وأتكلم هنا عن التعليم العالى)، وبالرغم من الظلم الذى يحيق بأعضاء هيئة التدريس لضعف الرواتب وتدنيها، وبالرغم من انتشار البطالة بين كل أصحاب المؤهلات العليا، وبالرغم من غياب قيمة الأستاذ الجامعى واستهتار المجتمع بها، لا يزال الكثير من الطلاب يسعون إلى الحصول على درجات الماجستير والدكتوراه وذلك بالرغم من كل اللغط المحيط بالحصول على هذه الدرجات الآن فى أعظم لحظة انهيار. ولذلك فإننى غالبا ما أنبهر فى البداية بالطالب الذى يسعى إلى تسجيل الدرجة فى هذه الظروف المعتمة، خاصة إذا كان الطالب (ة) يفعل ذلك بكامل إرادته، بمعنى أنه ليس معينا فى الجامعة فلا فرض عليه، وهو فى الغالب يسعى إلى الحصول على عمل ليلون أيامه بمعنى لوجوده وحصوله على المؤهل العالى. من المعروف بالطبع أن الحصول على الماجستير والدكتوراه ليس بالأمر الهين من الناحية الاقتصادية فى مصر، فهناك تصوير أوراق واشتراك مكتبات وشراء كتب ومقالات وإتقان كل الحركات البهلوانية للحصول على مراجع خاصة إذا كان التخصص فى لغة أجنبية وليست العربية. قد يكون الطالب ميسورا لديه الإمكانيات اللازمة لذلك وقد يكون- وهو الوضع الغالب- منتميا للطبقة السائدة التى لا تملك الفائض اللازم لهذا "الترف" الأكاديمى. لكل هذه الأسباب يعد الطالب الذى يسعى إلى الحصول على درجات علمية أعلى من الليسانس أو البكالريوس بمثابة بطل يستحق الدعم والمساندة والتقدير والاحترام. لكن..... فى الكليات النظرية لابد أن يقدم الطالب ما يسمى خطة بحث يصوغ فيها المشكلة التى سيعمل عليها البحث على مدار سنوات، ومن أجل صياغة المشكلة وإيجاد المنهجية الملائمة لها لابد أن يقضى الطالب وقتا معقولا و"منطقيا" فى القراءة والتعديل والتغيير والتشاور مع المشرف. والطبيعى أن يتدرج الطالب فى المستوى، فيبدأ بالكثير من الأخطاء ثم تقل تدريجيا ويرتفع المستوى مع كل مخطوطة جديدة، فالطالب فى البداية يكون متعثرا لعدم إمساكه بجوهر ما يعمل عليه وعدم استيعابه للكيفية التى يلزم التعبير بها. لكن أن يقدم لك الطالب مخطوطا مستواه متدن للغاية سواء من ناحية المضمون أو اللغة، ويقوم المشرف بالقراءة ويوضح ويشرح ..الخ، ثم يجىء الطالب فى المرة الثانية أو الثالثة على أقصى تقدير ليفاجأ المشرف بأنه يقرأ قطعة بليغة لابد أن يكون أعظم ناقد متمكن من اللغة وقادرا على الإمساك بألاعيبها- ناهيك عن المضمون الرائع- قد كتبها، فهذا ما لا يمكن فهمه. تعيد القراءة لتجد أن حتى تنظيم الفقرات وعلامات الترقيم تظهر خبرة أكاديمية ومهارة لا تكتسب فى التو واللحظة. ثم فجأة تجد فقرة ركيكة لا معنى لها مختلفة كليا عما سبقها، لتدرك فورا- وبمنتهى الأسف- أن الطالب قد قام بنقل كل تلك المعلومات من مكان ما، وتلك الفقرة الركيكة من صنع يديه ليسكت صوت الضمير ويقنع نفسه أنه قد ساهم ولو بجزء. المشكلة أنك تعرف وتتيقن أن الطالب قد فعل ذلك- أى أنه ارتكب سرقة علمية - لكنك لن تستطيع أن تحدد المصدر الذى تم النقل منه، فمعظم قصص السرقات العلمية التى تثار فى الجامعات يكون الطالب - بطل السرقة - قد اقتبس رسالة أخرى أو بحثا منشورا أو قام بالنقل من كتاب معروف. إلا أن الإنترنت هذه الأيام لن يتيح لك أن تعرف المصدر مطلقا، ولو قضيت عمرا بأكمله. المشكلة الكبرى أن فى هذه الأيام عندما يقوم الطالب بنقل فقرات كاملة مطولة تحتوى على آراء واستخلاصات من الإنترنت لا يكون مدركا أن ما يفعله يسمى سرقة، فقد أصبح الأمر شائعا بحيث إنه لم يعد يندرج تحت فعل السرقة، بل مجرد استعانة بمصادر! وعليك أن تقول ذلك لطالب ليجيب بحماس "والله العظيم ده كلامى، أنا مش حرامى وربنا شاهد علىّ". ماذا يفعل المشرف الجامعى فى هذه الحالة؟ أتابعكم الأسبوع القادم.