هل يُعقل أن نناقش قضية توريث الحكم فى مصر على مائدة إفطار رمضانى فى روسيا؟!.. استخدمت هذا السؤال الاستنكارى كحيلة، مكنتنى من تحويل دفة الحديث مائة وثمانين درجة!.. أبقيت التساؤلات والتكهنات عن الرئيس القادم فى مصر عام 2011 مُعَلقةً على لسان (مراد) صديقى الروسى ذى الأصول التترية، الذى تهفو روحه إلى كل ما هو مصرى، منذ درس فى الأزهر مطلع التسعينيات!.. كنت أعرف ولع مراد بمتابعة أحوال المحروسة، لكنى لم أتوقع أن يصل اهتمامه كمواطن روسى إلى حد أن تشغله تلك القضية بدرجة كبيرة!.. ما دمنا فى موسكو دعنا نناقش تداعياتِ التوريث الذى تم بالفعل هنا!.. استجاب مراد لرغبتى مضطراً، وفهم ما أعنيه.. عاجلته بسؤال حول ما يتردد عن بقاء مقاليد السلطة فى يد الرئيس السابق فلاديمير بوتين رغم أنه ورَّثَ منصبه إلى ديمترى مدفيديف العام الماضى.. منْ يحكم روسيا.. بوتين أم مدفيديف؟!.. أجاب بلهجة الواثق: بوتين.. والدليل هو نشرة أخبار التاسعة مساء فى القناة الأولى التى تبدأ باستعراض نشاطات مدفيديف، تليها فقرة مساوية لنشاطات بوتين!.. قاطعته: ربما يبالغ التليفزيون فى الاهتمام ببوتين لما له من مكانة فى المجتمع، لكن ذلك لا يعنى أنه الحاكم الفعلى للبلاد.. هناك رئيس منتخب!.. لم يقتنع بحجتى التى أستخدمُها قصداً للتعرف على رأى أصدقاء من الروس إزاء معادلة حُكم فريدة لم تشهدها بلادهم من قبل!.. معادلةٌ لا تتيح لرئيس البلاد توجيه نقدٍ إلى رئيس حكومته، على الأقل فى الوقت الراهن! يحتار الجميع أمام معادلة (مدفيديف – بوتين).. فى الغرب يصفونها بازدواجية السُلطة، وهو ما لا يروق للكرملين، الذى يسميها تحالفاً بين الزعيمين!.. أما على المستوى الشعبى داخل روسيا فتبدو الآراء متباينة.. ثمة منْ يتبنى وجهة نظر صديقى (مراد)، خاصة فى صفوف اليمينيين الذين يناصبون بوتين العداء منذ أمد بعيد!.. هؤلاء يرونه قيصراً يقبض على كل الخيوط، وسياسياً داهية رفض تعديل الدستور والترشيح لولاية ثالثة، لكنه ظل فى صدارة المشهد!.. فى المقابل هناك منْ لا يعير الأمر اهتماماً باعتبار أن طرفى المعادلة يحافظان من خلالها على الاستقرار فى البلاد.. بينما هناك رأى ثالث لا يستبعد أصحابه تصدع التحالف بين الرجلين، مستندين إلى أن تداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الروسى ستضع بوتين فى موقف صعب، باعتباره المسؤول الأول عن هذا الملف، وأن مدفيديف سينتظر نضوج اللحظة المناسبة للتخلص من معلمه!.. يشير هؤلاء بشكل خاص إلى تصريحات أدلى بها مدفيديف مؤخراً بمناسبة الذكرى الأولى للحرب مع جورجيا، شدد خلالها على أنه اتخذ قرار الحرب دون التشاور مع أحد، فى إشارة فُسرت بأن المقصود بها بوتين!.. لم يمر بعدها سوى أيام معدودة عرض التليفزيون الرسمى صورهما أثناء نزهة على شاطئ البحر الأسود، وصورا أخرى تجمعهما فى مباراة لكرة الريشة!.. قد يكون القصد من عرض تلك الصور، البرهنة على متانة العلاقة الشخصية التى تجمع (المُعلم) بوتين و(تلميذه) مدفيديف منذ سنوات طويلة، وعلى قوة تحالفهما السياسى الذى يضمن لكليهما تبادل السلطة.. هكذا يقول محللون سياسيون يجزمون بعودة بوتين رئيسا عام 2012 وبتولى مدفيديف حينها رئاسة الحكومة!.. مدينٌ أنا للتوريث فى روسيا الذى أنقذنى من أسئلة (مراد) الصعبة عن التوريث فى مصر! [email protected]