كان معاوية بن أبى سفيان، الخليفة الأموى، يحب الأكل بشدة حتى إنه كان دائم الشكوى مما يلقاه من الجوع فى نهار رمضان، فوصف له طبيبه آنذاك أثناء ولايته على الشام «الكنافة» كأكلة يتناولها فى وقت السحور، لتمنع عنه الجوع، ومن يومها ارتبط اسم الكنافة باسمه، فصاروا يقولون «كنافة معاوية». عتريس عرفة واحد من أشهر صانعى الكنافة فى مصر، بل يمكن أيضاً القول إنه أقدمهم على الإطلاق، يعتد بانتمائه إلى هذه «الصنعة» ويقول بكل فخر «أنا كنفانى ابن كنفانى ابن كنفانى ابن كنفانى»، لم يفكر للحظة - رغم شهادته الجامعية - فى البحث عن مهنة غيرها حتى فى أحلك لحظات حياته، فكل ما تعلمه من أستاذه فى كلية التجارة الدكتور على لطفى - رئيس وزراء مصر الأسبق - سخره لخدمة وتطوير مهنة «الكنفانى».. التفاصيل نقرؤها فى الحوار التالى: ■ متى بدأ ارتباط اسم عائلة عرفة بالكنافة؟ - كان جدى الثالث «عرفة» أول من عمل على إعادة الكنافة إلى مصر مرة أخرى، بعدما اندثرت بانتهاء الدولة الفاطمية، إلا أنه ومع وصول محمد على إلى حكم مصر، عادت صنعة الكنافة مرة أخرى، عندما ذهب جدى الأكبر إلى الأناضول ضمن إحدى القوافل التجارية، وعاد ليبعثها من جديد. ■ كيف كانت هذه المهنة فى بدايتها؟ - كانت عبارة عن أقماع بدائية يتسلل منها العجين على قطعة مسطحة من الصاج تشعل بالفحم أو الحطب، وكانت أكثر ثخانة من الوضع الذى هى عليه الآن، وكان الناس يذهبون إلى صانع الكنافة بالسمن والسكر ليعدها لهم، ثم تطورت طريقة تكوين العجين والأدوات المستخدمة حتى أصبحت مهنة ولها أصولها. ■ كيف ترى مساهمة عائلتك فى تطوير مهنة الكنفانى؟ - لقد بدأنا هذه الصنعة منذ كانت على صورتها البدائية، وساهمنا فى تطويرها، وعملنا النصف آلى والآلى، واندمج كل أفراد أسرتنا فيها حتى لم يعد لنا غيرها، وأصبح كل همنا هو إضافة شىء جديد للحفاظ على تاريخ بدأناه منذ أكثر من قرن من الزمان. ■ عندما تتحدث عن الكنافة نجدك تستشهد بمراجع ومؤلفات تاريخية.. إلى أى مدى تأثرت بهذه المهنة؟ - عندما ترتبط حياتك بشىء ما، فإنك تهتم بأن تعرف عنه كل صغيرة وكبيرة، تاريخه وتطوراته ومزاياه وعيوبه، وعندما كنت أدرس فى كلية التجارة، كنت أحول كل معلومة أحصل عليها إلى نصيحة أضيفها لتطوير هذه المهنة، وكنت أتناقش فى هذه الأفكار مع أستاذى الدكتور على لطفى، رئيس وزراء مصر الأسبق. ■ ما دمت قد حصلت على مؤهل جامعى.. فلماذا لم تعمل بمهنة أخرى؟ - أنت لم تفهمنى بعد.. «الكنفانى» بالنسبة لنا ليس مجرد صنعة.. إنها حياة. ■ هل هى مربحة؟ - مربحة لمن يتقنها. ■ كيف؟ - أى صنعة تعتمد على السمعة.. وما دمت وضعت مصلحة الزبون فى أولوياتك وابتعدت عن استغلاله فسوف تحقق النجاحين المادى والمعنوى. ■ وكيف يتم استغلال الزبون؟ - الطعم.. هناك مليون طريقة لغش الكنافة، والمقياس الأخير هو الطعم، لأن هناك الكثيرين يدخلون هذه المهنة باعتبارها وظيفة، وبالتالى لا يتعرفون على أصولها كما يجب، والمتضرر إما الزبون أو الصنعة نفسها. ■ وكيف أستطيع كمستهلك أن أميز الكنافة السليمة عن المضروبة؟ - لن تستطيع، لأنه يضيف لها مواد تجعلها تحتفظ برطوبتها وتحبس الماء بداخلها، وهو ما قد يسبب لك مشكلة فى الهضم. ■ والحل؟ - اشتر من شخص موثوق به. ■ متى شعرت بالخجل من مهنة الكنفانى؟ - إطلاقاً. ■ لماذا؟ - وأتكسف ليه.. أنا بافتخر. ■ ألم يعايرك أحد من أصدقائك فى الجامعة بأنك كنفانى؟ - بالعكس.. كانوا يفتخرون بأننا أصدقاء. ■ لماذا أتممت تعليمك الجامعى إذن، ما دمت مصمماً منذ البداية على العمل مع والدك؟ - جميع إخوتى حاصلون على مؤهلات جامعية عليا. ■ كيف تكون المنافسة فى هذه المهنة؟ - زمان كنا نقوم بعمل مسابقات بين أصحاب المحال والصنايعية، عشان نشوف مين هايعمل شغل أحلى. ■ ومن يحكم؟ - جودة المنتج النهائى. ■ ولو اختلفتم؟ - لا مجال للاختلاف.. ولكن عندما نختلف كنا نحكم كبيرنا. ■ ومن هو؟ - كبير عائلة عرفة. ■ وكيف يتم اختياره؟ - حسب ترتيبه فى العائلة، باعتبار السن طبعاً. ■ كيف كان ترتيبك فى هذه المسابقات؟ - يعنى واحد كنفانى ابن كنفانى ابن كنفانى ابن كنفانى.. تفتكر ترتيبه هايكون إيه. ■ هل وجدت من بين أبنائك من يرفض العمل فى هذه المهنة؟ - لى أولاد يعملون فى جهات حكومية واستثمارية.. لكنهم بعد أن ينتهوا من وظيفتهم، يأتون للعمل معى، ويعرفون كل صغيرة وكبيرة عن الصنعة والمحل، وأريد أن أقول لك شيئاً، إننا كنا نولد فى جرن صناعة الكنافة، فكنا نحبو ونحن صغار حتى نصل إلى المحل ونساعد آباءنا، فهذه الصنعة هى أول ما تفتحت عليه عيوننا. ■ ما الفرق بين مهنة الكنفانى وأى مهنة يدوية أخرى؟ - لكل مهنة رسالة. ■ مقاطعاً: وما رسالة مهنة الكنفانى؟ - الحفاظ على المهنة من الاندثار وتطويرها والحفاظ على أصولها.