لا تزال حالة الدهشة تسيطر على عقلى بعد زيارة سنغافورة، التى قضيت فيها حوالى عشرة أيام ضمن برنامج آسيا والشرق الأوسط للصحافة، الذى شاركت فيه ضمن وفد كبير من عدد من الدول. حالة الدهشة حالة طبيعية مقرونة بمقارنة بينها وبين مصر «أم الدنيا» طبعاً ففى سنغافورة الوزراء فى عمر الشباب، لأن الشباب هم الباور – الطاقة – التى تفكر وتعمل وتنجز وتبتكر وكبار السن يعملون مستشارين لديهم، فلا عجب أن تجد رئيس الوزراء يخرج من الوزارة ويعمل مستشاراً لرئيس الوزراء الحالى دون تسفيه أو تخوين أو «تحمير» نسبة إلى وصف الحالى للسابق بأنه حمار لا يفهم وأنه «دمر» البلد، ولكن الكل يعمل لصالح البلد. هل تعلمون أن كلمة الوطن لا يستخدمونها واستبدلوها بكلمة عائلة فتجد شعارهم هو «سنغافورة عائلتى» وليست وطنى، لأن الوطن يمكن خيانته أو التجسس عليه أو كراهيته أو حتى بيعه بالكيلو فى سوق النخاسة ولكن عائلتى هى انتمائى، هى كيانى الذى لا يمكن التنازل عنها وإذا حدث فهو من النادر ولكن الأوطان كثيرون تنكروا لها. الدهشة التى أصابتنى ولا تزال مستمرة معى أصابت كثيرين من الزملاء الذين جاءوا من الدول العربية لدرجة أن أحدهم قال لابد من أن يكون هناك جزء من عدم النظام حتى يكون هناك إبداع، ولا أعرف ما علاقة الإبداع بالفوضى التى نعيشها، المهم أنه رأيه ولابد أن نحترمه. تجربة سنغافورة تجربة يجب أن نحتذى بها حيث بلد دون موارد أصبح حجم التجارة فيه 600 مليار دولار، وميناؤه أهم ميناء فى العالم تقريباً، ومصر رغم كل هذه الشواطئ ورغم الأصوات التى تنادى بأنه يمكننا أن يصبح لدينا أكبر حوض جاف فى العالم، ولكن لا توجد إرادة حرة تفعل ذلك، ويبدو أن الاستعمار خرج من الأرض، ولكنه لم يخرج من عقول بعض وزرائنا. بمناسبة ذكر الوزراء لا يوجد عندهم عُقد-جمع عقدة-، والوزير هناك نموذج للتواضع والبساطة وحل المشكلات بكثير من الوطنية والتفانى والحب. أحد المصريين وهو متزوج من سنغافورية ولديه مطعم يقدم الأكلات المصرية وأكلات شعوب البحر المتوسط قال لى إن مشكلة واجهته فى تخليص أوراق إقامته فلجأ إلى عضو البرلمان فى منطقته الذى أخبره أن حل هذه المشكلة فى يد رئيس الوزراء وأنه سيرسله إليه لمقابلته وعرض مشكلته وبالفعل تحدد موعد والتقى رئيس الوزراء الذى تأكد من أن أوراقه جميعها سليمة وحل المشكلة.. كم مواطن عندنا يستطيع مقابلة اسم النبى حارسه وصاينه رئيس الوزراء.. الإجابة طبعاً لا يوجد من دون واسطة، والواسطة لا تكون أقل من وزير ولعلية القوم فقط والمواطن العادى الغلبان يروح فى ستين داهية. حالة الدهشة التى اعترتنى أيضاً كانت من النظافة التى تميز هذا البلد سواء مواطنوه أو شوارعه أو منشآته خاصة أننى كنت أعتقد عندما سافرت إلى سويسرا التى توصف بأنها قطنة أوروبا أنها البلد الذى يجب أن نحتذى به، وكذلك أمريكا ولكن وجدت حالة نظافة فعلا تغيظ، وبعد. أعتقد أننا لا نفضل التجربة السنغافورية ولكن نحن نؤيد بنسبة 99.9% كما جاء فى انتخابات الرئيس الراحل أنور السادات التجربة الدنماركية للأخ الزعيم القائد الأستاذ عادل إمام. المختصر المفيد ربنا اجعل لنا فى عيون حكامنا رحمة [email protected]