ماذا بعد استقالة حكومة مدبولي.. أستاذ قانون دستوري يوضح    تعليم شمال سيناء يحصل على المركز الأول جمهوري في مسابقة العروض الرياضية    خبير اقتصادي يطالب محددات للرقابة على الأسواق والسيطرة على الأسعار    رئيس «حماية المستهلك» الأسبق: لا بد من وضع سياسات محددة لضبط الأسواق    رئيس «مواطنون ضد الغلاء»: تطبيق القانون الرادع الوحيد لضبط الأسعار    أشرف أبوالنصر: نشكر حكومة مدبولى لما قدمته فى ظل أزمات كبيرة    وزيرة الخارجية الأرجنتينية تستقبل السفير المصري في بوينس أيرس    كاف يكشف لوائح النسخة الجديدة من دوري الأبطال والكونفيدرالية    الأهلي يكشف حقيقة العروض الخارجية لإمام عاشور    مصر تحصد 27 ميدالية في البطولة الإفريقية للسامبو بالقاهرة    صدمة ل الزمالك.. عامر حسين يكشف الفرق المشاركة في البطولات الأفريقية    الأمن العام يكشف غموض 17 جريمة سرقة ويضبط 11 متهمًا بالمحافظات    الحوثيون يعلنون استهداف موقع عسكرى فى إيلات بصاروخ باليستي    عمرو أديب: أخبار عن زيادة انقطاع الكهرباء إلى 3 ساعات ل تخفيف الأحمال (فيديو)    رغم غيابه عن الظهور بالفيلم.. أحمد الفيشاوي يروج ل «ولاد رزق 3»    ورش فنية متنوعة للأطفال ولقاءات ثقافية ضمن النشاط الصيفي ب الفيوم    مي عمر عن علاقتها بحماتها : «أمي التانية وفي المشاكل بتقف معايا» | فيديو    خالد النبوي محارب وريم مصطفى فقيرة.. طرح بوسترات «أهل الكهف» قبل عرضه بالسينمات    اللوز.. سر الرشاقة والتحكم في الوزن    وزارة الصحة توضح الفئات المستهدفة من مبادرة إنهاء قوائم انتظار الجراحات    أحمد دياب يكشف موقفه من رئاسة رابطة الأندية في الموسم الجديد    رئيس مياه القناة يتفقد محطات محافظة السويس    في انتظار إجازة عيد الأضحى: اللحظة المنتظرة للراحة والاستمتاع    وزارة التضامن سنوات من الإنجازات وبرامج لحماية الأسر الأولى بالرعاية.. صرف دعم تكافل وكرامة ل22 مليون مواطن وزيادة الحد الأدنى للمعاش.. وعلاج مرضى الإدمان مجانا وفقا للمعايير الدولية    نانسى عجرم تحيي حفلا غنائيا في تركيا    متى تبدأ تكبيرات عيد الأضحى وصيغتها    ما هي الأضحية في اللغة والشرع.. «الإفتاء» توضح    موراتا يلمح لمغادرة أتلتيكو مدريد    مصر تتقدم بملف استضافة السوبر الأفريقي بين الأهلي والزمالك    مليار و713 مليون جنيه، تكلفة علاج 290 ألف مواطن على نفقة الدولة    5.150 مليار جنيه أرباحًا تقديرية للنقل البحري والبري    حقيقة زيادة المصروفات الدراسية 100%.. رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة يرد (فيديو)    تعديلات مواعيد القطارات الجديدة بدءا من السبت المقبل    عقد النسخة الرابعة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين يومي 2 و3 يوليو المقبل    أربعة وفيات على الأقل جراء الفيضانات في جنوب ألمانيا    تقديم الخدمة الطبية ل 652 مواطنا خلال قوافل جامعة قناة السويس بقرية "جلبانة"    وزير الصناعة: 16.9% زيادة في حجم التبادل التجاري بين مصر والمجر العام الماضي    رئيس الوزراء يتابع عدداً من ملفات عمل صندوق مصر السيادي    قبل عقد قرانه على جميلة عوض.. 9 معلومات عن المونتير أحمد حافظ    عضو "الفتوى الإلكترونية" ل قناة الناس: هذا وقت استجابة الدعاء يوم عرفة    قائد القوات الجوية يلتقي نظيره الصربي لبحث التعاون المشترك    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر    وظائف متاحة للمعلمين في المدارس المصرية اليابانية.. رابط التقديم    جولة لرئيس جامعة القاهرة للاطمئنان على سير الامتحانات وأعمال الكنترولات    رئيس جامعة العريش يناقش الخطط التنفيذية والإجرائية لتطوير تصنيف الجامعة    البابا تواضروس يستقبل السفير التركي    الرئاسة الأوكرانية: 107 دول ومنظمات دولية تشارك في قمة السلام المرتقبة بسويسرا    رودري: اعتزال كروس يلهم الجميع    روسيا :كشف عملاء للمخابرات الأوكرانية يعدون لهجمات ضد أسطول البحر الأسود    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    وزير الخارجية: الحرب في غزة لها تداعيات على حرية الملاحة بالبحر الأحمر وأضرار على الوضع الاقتصادي    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أول رئيس وزراء منتخب استطاع توحيد السكان المتناحرين عرقياً .. سنغافورة من العالم الثالث إلى الأول.. وكلمة السر «لى كوان يو»

«ما هو سر تقدم هذا البلد رغم عمره القصير الذى لا يتجاوز 44 عاماً؟!».. سؤال ظل يطاردنى طوال زيارتى إلى جمهورية سنغافورة التى جاءت ضمن برنامج «آسيا والشرق الأوسط للصحافة»، وهو برنامج يماثل برنامج الزائر الأمريكى، الذى تنظمه الولايات المتحدة.
إجابة السؤال لا يمكن أن تتخيلوها، فهى تكمن فى كلمة واحدة هى «التسامح»، أو التعايش .. فالشعب السنغافورى يتكون من عدة عرقيات وإثنيات وأجناس وألوان وأديان مختلفة، فهناك من أصله صينى أبيض اللون وهناك المالاوى نسبة إلى ماليزيا جارتهم التى لا تبعد عاصمتها عن سنغافورة سوى نصف ساعة، وهم يحملون اللون القمحى، وهناك الأسمر ذو الأصل الهندى، وهناك من هم من أصل عربى أو الحضرميون نسبة إلى حضرموت فى اليمن.
أما الأديان.. فحدث ولا حرج، فهناك المسيحى والمسلم والهندوكى.. وأديان أخرى كثيرة.
حالة التعايش تلك فرضتها قوانين صارمة وعقلية أرادت لهذا البلد أن يكون متقدماً ذا حضارة، خاصة أن الحضارة لا تكمن فى التاريخ فقط، أما العقلية التى وراء هذا فهى الأب الروحى أو كلمة السر فى هذا البلد وهو رجل يفخر به جميع السنغافوريين من مختلف الأديان والأجناس والأعراق والألوان إنه رئيس الوزراء «لى كوان يو»، الذى قال عنه وزير الخارجية الأمريكى الأسبق الدكتور هنرى كيسنجر: «لى كوان يو، من أعظم الشخصيات نفوذاً وتأثيراً فى التطورات التى شهدتها - وستشهدها - القارة الآسيوية».
كما قال عنه إمبراطور الإعلام روبرت ميردوخ: «حول لى كوان يو مستعمرة صغيرة وفقيرة وعاجزة إلى دولة متلالئة وغنية وحديثة لكن مطوقة دائما بقوى معادية، ويعتبر لى كوان يو، بذكائه المتقد وفكره الثاقب واحداً من أعظم رجالات الدولة فى العالم وأشدهم صراحة وأكثر من حظى منهم بالتوقير والاحترام».
لى كوان يو.. الأب المؤسس لسنغافورة الحديثة ذو شخصية كاريزمية أثارت دائماً جدلاً خلافياً حاداً.. لقد نهض بهذه الجزيرة من ركام التركة الاستعمارية الثقيلة بكل ما سببته من انقسام وفرقة وتجاوزت دمار وويلات الحرب العالمية الثانية وخلفت وراءها حالة من الفقر المدقع والفوضى العارمة عقب انسحاب القوات الأجنبية، لتصبح الآن مدينة المستقبل التى تتجه إليها الأنظار.
لى كوان يو استطاع القضاء فى ذلك الوقت على التهديد الشيوعى الذى أحدق بأمن الجزيرة الهش والانطلاق بالعملية المنهكة المرهقة لبناء الدولة وشق الطرقات عبر أراضى تغطيها المستنقعات، وإنشاء جيش من السكان المقسمين عرقياً وأيديولوجيا، والقضاء على الفساد وتوفير المساكن الشعبية للمواطنين وتأسيس شركة طيران وطنية وبناء مطار حديث مزود بأفضل الأجهزة.
لى كوان يو الذى ولد فى سنغافورة فى 16/9/1923 لأسرة تنتمى إلى الجيل الثالث من المهاجرين الصينيين القادمين من مقاطعة جوانجدونج.. درس الحقوق فى جامعة كمبريدج بإنجلترا، وفى عام 1954، أسس حزب «العمل» الشعبى، وفى 1959 أصبح أول رئيس لوزراء سنغافورة، وهو فى الخامسة والثلاثين من عمره، وفى نوفمبر 1990 استقال من منصبه ليبقى وزيراً فى الحكومة السنغافورية.
السنغافوريون يكنون كل الحب والوفاء للرجل الذى صنع لهم دولة ويسيرون على خطاه حتى الآن، لأنه هو الذى استطاع أن ينقل سنغافورة من العالم الثالث إلى الأول.
برنامج زيارتنا إلى سنغافورة كان برنامجاً مكثفاً يبدأ من التاسعة وينتهى فى الخامسة.. التقينا فيه العديد من المسؤولين الحكوميين منهم وزيرا الخارجية والتجارة ورئيس الوزراء الأقدم، حيث يحصل رئيس الوزراء بعد انتهاء ولايته على لقب رئيس الوزراء الأقدم ويظل يقدم النصيحة لرئيس الوزراء الذى تبعه، وإذا خرج رئيس الوزراء الحالى يصبح رئيس الوزراء الأقدم مستشاراً لرئيس الوزراء الأقدم الذى كان بالأمس القريب رئيساً للوزراء.
وتعتبر سنغافورة دولة صغيرة مساحتها 704 كيلو مترات مربعة، ويبلغ عدد سكانها 4 ملايين و680 ألف نسمة، وقد قطعت سنغافورة شوطاً كبيراً منذ استقلالها عام 1956 فى مجال التنمية، خاصة أنها جزيرة ليست لها موارد طبيعية، فكان لزاماً عليهم أن يعتمدوا بشكل كبير على الموارد البشرية من أجل تحقيق التنمية المستمرة لبلادهم.
لدى سنغافورة قطاع للخدمات العامة يقوم بدور أساسى فى تشكيل العديد من جوانب التنمية، مثل: الدفاع والاقتصاد والتعليم والتخطيط العمرانى.. وما إلى ذلك، ويعمل فى هذا القطاع 10 آلاف موظف يعملون فى 15 وزارة و60 مجلساً تشريعياً و9 أجهزة للولايات، وهو يوفر لكل من يعيش فى سنغافورة البيئة الملائمة لكل شخص قادر على الحصول على وظيفة وتكوين أسرة، وعيش حياة تفى باحتياجاته.
وطورت سنغافورة الخدمات العامة لتصبح أكثر وعياً وتطلعاً نحو المستقبل، والاهتمام بالأخذ بزمام المبادرة، محققة لنفسها التميز من خلال إنشاء نماذج وسياسات وأنظمة فعالة فى الحكم الرشيد للشركات والإدارة العامة. كانت سنغافورة محظوظة عام 2007، لأن هذا العام شهد نموا فى الناتج المحلى الإجمالى وصل إلى 7.5٪ وبلغ معدل البطالة 1.6٪ فقط.
المسؤولون السنغافوريون دائماً يؤكدون أن بلادهم فى سنواتها الأولى حصلت على دعم قيم ومساعدة فنية من العديد من الدول الأخرى وأنهم استفادوا من الأفكار الناجحة فى دول أخرى، وقاموا بتكييفها بما يتناسب مع وضعهم ولا يخجلون من الاعتراف بأنهم ارتكبوا العديد من الأخطاء ولكنهم تعلموا منها ووضعوا خططاً براجماتية - نفعية - لحل هذه المشكلات، ولكنهم فى الوقت ذاته وفى السنوات الأخيرة نجحوا فى جذب اهتمام الدول الأخرى إلى النموذج الذى صنعوه فى التنمية.
ولسنغافورة تجربة رائدة فى تطوير البنية الأساسية والتخطيط العمرانى، فمنذ 40 عاماً واجهت سنغافورة مشكلة ازدحام متزايد فى المدينة وظروفاً فقيرة للمعيشة والبنية الأساسية الضعيفة، ولكن ما رأيناه الآن مختلف تماماً، حيث تغير وجه سنغافورة اليوم لتصبح مدينة مزدهرة ومركزاً للتجارة، وتتسم بمستوى رفيع للمعيشة فى بيئة نظيفة تنتشر بها المساحات الخضراء.
لم يكن تحقيق هذا النجاح المذهل أمراً سهلاً كما عرفنا من العديد من المسؤولين فى الحكومة الذين التقيناهم.. لقد تم إحراز التقدم فى سنغافورة على سواعد حكومة قوية ومستقرة، علاوة على العمل الدؤوب لشعبها، وقطاع عام يتسم بالكفاءة العالية.
ومن أهم العلامات المميزة لتقدم سنغافورة هى التخطيط العمرانى، بما فى ذلك تطوير البنية الأساسية، ومع وجود مساحة صغيرة للعمل والعيش هناك، يعتبر تخطيط استخدام الأراضى فى سنغافورة ذا أهمية خاصة، خصوصا أن الحكومة هناك دائماً تسعى باستمرار لتوفير مستويات معيشة أفضل، ونمو اقتصادى مستمر، وانسجام اجتماعى بين السكان.
ففى عام 1959 عندما حصلت سنغافورة على الحكم الذاتى، كان 9٪ فقط من سكانها يقطنون فى مساكن تابعة للقطاع العام وكانت الأغلبية تسكن فى مستوطنات تم الاستيلاء عليها وأحياء فقيرة غير صحية.. واليوم تعيش نسبة 82٪ من السكان فى 879 ألف شقة تابعة للقطاع العام موزعة على 23 مدينة ومنطقة.. وهو يعتبر أحد أعلى معدلات ملكية المنازل على مستوى العالم.
الحكومة السنغافورية قامت فى عام 2001 بتنفيذ خطة باسم «الفكرة 2001».. كانت رؤية هذه الخطة هى تطوير سنغافورة بحيث تكون مدينة ناجحة فى القرن الحادى والعشرين وتعتمد هذه الخطة على سيناريو يقول إن عدد السكان سيصل إلى 5.5 مليون نسمة وذلك يستمر لمدة تتراوح بين 40 و50 سنة، وبذلك ستكون هناك حاجة إلى 1.8 مليون منزل، وهذا يعنى إضافة 800 ألف منزل جديد بالإضافة إلى مليون منزل اليوم، ولذلك تم إنشاء هيئتين حكوميتين هما: مجلس تطوير الإسكان، وهيئة إعادة التطوير الحضرى، للإشراف على البنية الأساسية لسنغافورة، ويتولى مجلس تطوير الإسكان مهمة التعامل مع احتياجات الإسكان فى الدولة، فى حين أن المهمة الرئيسية لهيئة إعادة التطوير الحضرى هى تحسين استخدام الأرض.
وتواجه سنغافورة تحدياً صعباً فى مجال المياه، حيث يتولى مجلس المرافق العامة (P.U.B)، مسؤولية إدارة الدورة الكاملة للمياه هناك وتتضمن خطته المسماة «أربعة صنابير وطنية»: خزان المياه المحلى والمياه المستوردة والمياه الجديدة والمياه المقطرة حتى تتمتع الدولة بمصدر دائم ومتنوع للمياه لتلبية احتياجات السكان.. وقد حصلت سنغافورة على العديد من الجوائز العالمية فى موضوع المياه، وإذا كان النظام التعليمى فى أى دولة هو إحدى أهم ركائز التنمية، فإن فى سنغافورة قدم نظام التعليم هناك العديد من الطلاب الذين تفوقوا فى الدراسات الأكاديمية والمهنية، حيث تستثمر حكومة سنغافورة 6 مليارات دولار سنغافورى - الدولار الأمريكى يساوى 1.4 دولار سنغافورى - ولديهم ثلاثة أنظمة للتعليم: الأول هو المدارس المتفكرة والأمة المتعلمة «وهو نظام تم تبنيه عام 1997 لتقديم مواطنين قادرين على التفكير ومدركين لمسؤولياتهم تجاه عائلاتهم ومجتمعهم وفى النهاية دولتهم».
والنظام الثانى هو «الابتكار والمشروعات»، وانطلق هذا النظام وهذه الرؤية عام 2003، وركز على تطوير مهارات التفكير الإبداعى بين الطلبة والموظفين.
والنظام الثالث هو «تدريس أقل وتعلم أكثر»، وجاء ذلك عقب دعوة رئيس الوزراء لى هسين لوونج، إلى تدريس أقل وتعلم أكثر، فأصبح التركيز على تحسين فعالية التدريس وتعزيز جودة التفاعل بين الطلاب والمدرسين وتزويد الطلاب بالمعارف والمهارات الأساسية والقيم لإعدادهم لمواكبة الحياة العملية خارج البيئة المدرسية.
برنامج زيارتنا إلى سنغافورة التقينا فيه العديد من المسؤولين حيث التقينا وزير الخارجية السنغافورى جورج يو جاء ليضع النقاط على الحروف فى العديد من المسائل، حيث أكد لنا أنه ليس قلقاً من أن منطقة الشرق الأوسط منطقة صراع وقطاع ملتهب فى العالم، وقال: «إن سنغافورة تقبل الشرق الأوسط كما هو وليس كما تريده أن يكون»، موضحاً أن بلاده لها علاقات جيدة مع فلسطين وإسرائيل، مؤكداً أن نظرة بلاده للأمور نظرة واقعية و«أنها لا تقف مع أى طرف من الأطراف»، وأنه ليس دورهم أن يقولوا لنا ماذا نفعل.
جورج يو أكد أيضاً أن بلاده تركز دائماً على النقاط المشتركة فى علاقتها مع دول العالم الخارجى، وأنهم أنشأوا علاقات دبلوماسية مع سوريا العام الماضى، أملاً فى نمو هذه العلاقات.
وأشار يو إلى أن بلاده ترتبط بعلاقات متميزة مع دول مجلس التعاون الخليجى، وأن هناك الكثير من الاستثمارات سواء الفردية أو الجماعية بين سنغافورة وبينها، رغم أنه كان هناك أحد مصادر القلق بعد أحداث 11 سبتمبر وهو «الأمن» ولكن بعد عامين تجاوزنا هذه الأمور.
جورج يو عندما سألناه عن مدى أهمية وجود العلاقات مع الشرق الأوسط؟ جاءت إجابته ذكية وواضحة وهى: مصلحتنا.. مستطرداً: «العلاقات هى مصلحتنا»، وهى تجرى فى دمنا، وهناك أكثر من 2 مليون مواطن آسيوى فى سنغافورة من أصل عربى، ففى كل مدينة كبيرة هناك مجتمع عربى حضرمى، ومن أوائل العرب الحضرميين الذين جاءوا إلى سنغافورة، عمر باجنيد. لم «يخف» جورج يو سعادته بزيارة ولى العهد السعودى لبلاده ورغبته فى إرسال مزيد من الطلاب للدراسة فى سنغافورة.
وعلى هامش لقاء وزير الخارجية السنغافورى، من المهم أن نلقى الضوء على الأجواء التى أحاطت اللقاء، حيث تم نقلنا من الفندق فى أتوبيس مكيف صغير، وما هى إلا دقائق، حتى وصلنا إلى مقر وزارة الخارجية التى تحظى بمبنى فخم بسيط فى آن واحد، حيث لا تعقيدات أمنية، ففور أن نزلنا من الأتوبيس دخلنا من البوابة مباشرة إلى غرفة الاجتماعات وحضر الوزير بعد حوالى أربع دقائق هى المدة التى اتخذ فيها كل واحد منا موقعه على طاولة الاجتماعات.. دخل مرحباً بنا وبجواره مساعدوه، عدد من الشباب لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين .. لم يرتد الوزير بدلة أو رابطة عنق.. فقط قميصاً ذا كم طويل وبدأ الحوار سلساً منظماً مرتباً هادئاً وانتهى كذلك بعد أن قام الوزير من مكانه مصافحاً الجميع فرداً فرداً، مداعباً إياهم حيث لم تفارقه ابتسامته منذ بدء الاجتماع وحتى انتهائه.
ومن الأماكن المهمة التى قمنا بزيارتها هيئة التنمية الاقتصادية وتعرف اختصاراً بEDB، وهى تركز جل اهتماماتها بالشرق الأوسط والدول التى تقع غرب الهند، وقامت بفتح مكتب لها مؤخراً فى دبى وتحديدا فى أبريل 2009.
ومن المهام التى تقوم بها هذه الهيئة هى مساعدة الشركات القادمة للاستثمار فى سنغافورة على معرفة المعلومات التى يحتاجونها عن الهيئات الحكومية التى يحتاجون الذهاب إليها. كما أنها تقوم بتجميع الآراء عن الأنشطة التجارية أو الصناعية من الشركات التى تريد الاستثمار فى سنغافورة، خاصة أن قوة هذا البلد فى البيزنس والصناعة والخدمات، كما ذكروا لنا.
وحتى يجذبوا الاستثمارات إلى بلادهم ولكى تفتح الشركات مكاتب لها، قاموا بتسهيل الإجراءات للقيام بالأعمال التجارية ووضعوا القوانين لحماية الملكية الفكرية، إضافة إلى البيئة الآمنة التى يعملون دائماً على أن تكون كذلك، لأنهم يؤمنون بأنها أحد أهم عوامل جذب الاستثمارات، إضافة إلى وجود حزمة قوانين ضد الفساد، حيث لا توجد واسطة أو محسوبية، والكل يخضع للمحاسبة، إضافة إلى انخفاض الضرائب، الذى يساعد على تنمية الاستثمارات.
السنغافوريون يعملون دائماً على بناء قدرات بلادهم حتى تكون بلاداً جاذبة للاستثمار، حيث التكنولوجيا والطيران والإلكترونيات وتغيير الاستراتيجية كل 10 سنوات.
وعندما سألنا عن سبب نجاحهم فى هذه الفترة القصيرة، حيث حصلوا على استقلالهم فى منتصف الستينيات قالوا: امتياز الحكم، وانفتاح الاقتصاد، وصنع البيئة المشجعة للاستثمار، ولهذه الأسباب كان النجاح، ولكن هناك مبادئ وضعوها أمام أعينهم أهمها الثقة والعلم والاتصال بالآخرين، ولذلك أصبحت سنغافورة داراً للمهارة والابتكار ونقطة انطلاق الشركات من الشرق الأوسط إلى آسيا.
وتعتبر سنغافورة أن منطقة الشرق الأوسط هى سوق ناشئة بالنسبة لها، وهو ما أكده وزير الدولة للتجارة والصناعة لى ياى شيان، وقال شيان: إن العديد من بلدان الشرق الأوسط لديها خطط متنوعة لتنويع مصادرها الاقتصادية من قطاعات الصحة والسياحة والخدمات، إضافة إلى النفط والغاز، وأن لديهم حاجة إلى بناء المصانع وتطوير التعليم والمستشفيات والتأمين الاجتماعى.
وأوضح أن بلده دولة صغيرة يبلغ عمرها 44 عاماً، ولكنهم استطاعوا بناء اقتصادهم مثل دول العالم الأول، رغم أنهم فى منطقة العالم الثالث مما شجع الصينيين على دراسة نظام الحكم فى سنغافورة، ولذلك استقبلوا 20 ألف مسؤول حكومى من أجل هذا الموضوع.
وقال شيان: إن نظام التعليم فى بلاده من أفضل نظم التعليم فى العالم، حيث تنفق الدولة نسبة 3٪ من دخلها القومى على التعليم، مشيراً إلى أن حجم تجارتهم السنوية يبلغ نحو 600 مليار دولار أمريكى.
وقال شيان: إن سنغافورة تعد مركزاً تجارياً رئيسياً للنفط فى العالم، حيث تستورده من الشرق الأوسط وتصدره إلى منطقة آسيا، وقرر أن التجارة فى بلاده تبلغ 305 أضعاف الناتج المحلى الإجمالى، وذكر أن سنغافورة وقعت اتفاقية للتجارة الحرة مع 6 دول من مجلس التعاون الخليجى، وثلاث منها صدقت عليها وتتبقى ثلاث أخرى لم تصدق بعد عليها.
حول كيفية خلق مشاركة مع الشرق الأوسط، قال إننا نشارك من خلال خبرتنا فى القطاع العام، ثم إن القطاع الخاص أيضاً يقدم الخدمة بعد ذلك، ولكن الشركات التى تتم مشاركتها تتم المفاضلة بينها على أساس الجدارة والتميز.
وحول نوعية الصادرات التى يقومون بتصديرها إلى العالم قال: البتروكيماويات والإلكترونيات والأدوية، حيث 90٪ من كبرى شركات إنتاج الدواء فى العالم موجودة فى سنغافورة، إضافة إلى التصدير.
وعن لماذا تريد هذه الشركات العالمية أن تكون سنغافورة مقراً لها قال: لدينا عدة قوانين لحماية الملكية الفكرية، إضافة إلى الدعم اللوجيستى ووجود المهارات والقوى العاملة المدربة، إضافة إلى الحوافز الضريبية، والثقة المتوافرة فى العلامات التجارية السنغافورية.
وحول أبرز التحديات التى تواجههم فى المستقبل قال شيان: المنافسة مع الصين والهند تعد من أبرز التحديات التى تتطلب منا أن نتحرك بسرعة أكبر.
ومن أبرز الأماكن الموجودة فى سنغافورة هو مركز التفاهم بين الأديان، وهو مركز تم إنشاؤه لنشر الفهم الحقيقى عن الإسلام بين غير المسلمين فى سنغافورة، حيث يوجد معرض دائم داخل المركز الغرض منه شرح التنوع فى الإسلام والصور المختلفة له من كل أنحاء العالم والحكمة من وراء العبادات الإسلامية، ويزور المركز الكثير من الزوار حيث زاره فى عام 2006 ما يقرب من 2000 زائر.
عدد المسلمين فى سنغافورة 0.5 مليون مسلم، و90٪ من المسلمين هم سنيون على المذهب الشافعى، والشيعة هم فئة صغيرة هناك، وينظم شؤون المسلمين المجلس التشريعى، وهو هيئة حكومية ومسؤوليته مباشرة مع وزير شؤون المسلمين، ولا يتم تعيين المفتى هناك إلا من قبل رئيس الدولة، كما أن الدولة لا تعين أى رؤساء للأديان الأخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.