هو ذلك العالم الجليل والإمام الصالح الذى حمل اسماً مشابهاً للإمام الكبير «أبى حامد الغزالى»، وشيخنا هو ابنٌ لقرية «نكلا العنب» بمحافظة «البحيرة»، وقد شق طريقه فى رصانةٍ وحكمة حتى حفر اسمه بين أهل العلم والتقوى والفضل، وكان واحداً من أبرز علماء المسلمين فى القرن العشرين وترك بصماته فى عددٍ من الدول الإسلامية حتى إن الرئيس الجزائرى الأسبق «الشاذلى بن جديد» كان ينظر إليه باعتباره رمزاً كبيراً يستوجب الاحترام ويفرض التقدير، ولقد حضرت له لقاءً فى مقر رئاسة الجمهورية، حيث حظى الشيخ بمودة زائدة من ولى الأمر، رغم أن الإمام «الغزالى» قد طرح يومها عدداً من الأفكار لتنظيم العلاقة بين «الإخوان المسلمين» والدولة، وكان الكل يعرف انتماءه للجماعة ولكن تصنيفه كان مختلفاً، فقد كان صاحب علمٍ غزير وفكرٍ متوهج ولسانٍ متدفق، وعلى الرغم من ارتباطاته الكثيرة وحواراته المتعددة فإننى أذكر للشيخ أنه قد دعا ذات مساء إلى «صالون الأوبرا» فى «القاهرة»، فكان حديثه طلياً وفكره مستنيراً ورؤيته لأحوال المسلمين فى عصرنا رؤية عميقة ومتكاملة، ولعله مما ساءنى كثيراً أن دولاً إسلامية قد عرفت قدر الرجل وسعت إليه، فقد كان حجة للإسلام يمثل نمطاً وسطياً معتدلاً، لذلك ذاع صيته وانتشرت مؤلفاته وتهافت الناس على جلساته، وأتذكر يوم لقاء صالون «الأوبرا»، كيف احتشدنا محبةً فيه وتقديرًا له، وقد اقترن بابنته الصديق العزيز الأستاذ «محمد عبدالقدوس» فكانت تلك قناة أخرى أعرف من خلالها أخبار الشيخ وأتابع أحواله، خصوصاً النفسية والصحية فى سنوات عمره الأخيرة، وقد دارت بينى وبين الشيخ أحاديث كثيرة أتذكر أحدها يوم عقد قران صديقنا المشترك الأستاذ «عماد الدين أديب»، حيث كان الإمام «الغزالى» متجلياً فى حديثه، متدفقاً فى أفكاره، ولقد تحدثت معه يومها عن الفارق بين أوضاع الإسلام وظروف المسلمين، ولكن المشهد الذى لن أنساه ما حييت هو يوم أن أخبرت رئيس الدولة بمرض الشيخ، فطلب رقم هاتفه واتصل به مستفسراً عن صحته عارضًا سفره للعلاج وقد ألح عليه «الرئيس مبارك» فى ذلك، حتى سمعته يقول للشيخ «لا تبكِ يا مولانا فذلك حقك علينا وتلك مسؤوليتى»، ويبدو أن الشيخ قد تأثر كثيراً من هذه المكالمة التى كانت تتويجًا لعلاقة ملتبسة بين النظام والشيخ على امتداد سنوات ما بعد قيام ثورة يوليو 1952، وقد كان الشيخ «الغزالى» يردد دائمًا أنه يحمل اسمه تيمنًا بالإمام «الغزالى» الكبير، لذلك لم تخل حياته من نزعة زهد ومسحة تصوف، فقد كان «أمة واحدة»، رحمه الله فلقد كان صوتًا للأزهر من خارجه، وسفيراً للإسلام دون أن يسعى، ونداء للحق دوى فى أرجاء العالم الإسلامى لعدة عقود.