إن أولى الدعائم التى نتساند إليها فى ال«مراجعات» هى الإيمان المطلق بضرورة التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية وتطبيقها نصا وروحا وأنه لا ينبغى الخجل من تلك الهوية أو التنازل عن بعضها لصالح غيرها من الشرائع الأرضية أو الوضعية «أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون». ومن نافلة القول هنا أن نؤكد أن ذلك لا يعنى بالضرورة دعوة إلى الدولة الثيوقراطية أو حكم رجال الدين فتلك حجة داحضة بليت وبلى مدعوها!! فالإسلام هو العدل والحق والإنصاف والتكافل الاجتماعى والعدالة الاجتماعية، والإسلام هو الشورى والحرية الكاملة دون الفوضى، هذه المبادئ والقيم والأحكام الشرعية القاطعة يتواءم معها أى شكل من أشكال الحكم التى هى محل بحث علم النظم السياسية والدستورية فلا بأس من أن يكون نظام الحكم رئاسيا أو ملكيا أو نيابيا.. بالاقتراع المباشر أو على درجتين كل ذلك يستوعبه الإسلام من الأطر التى يرتضيها الناس فى دنياهم كتقنين لتلك المبادئ الثابتة بحيث تحقق الشورى فى مراميها. ■ ■ فالاعتماد بشكل واضح على المرجعية الشرعية أمر لا مناص منه لأصحاب المشروع الإسلامى، فنثبت كل ما اصطلحت عليه الأمة وتلقته بالقبول والرضا من مصادر التشريع والفقه الإسلامى الراجح. ونشدد على ضرورة حشد كل القوى التى تعتمد هذه المرجعية والأفراد الذين يعتمدون النضال السياسى من أجل ترسيخ هذه المفاهيم وتحقيق تلك الأهداف انطلاقا من الهدى النبوى الخالد أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. ومشروع الإحياء يرمى إلى التواصل مع نضال الأمة الذى أسفر عن مكتسبات حقيقية كثيرة يتمتع بها كثير من الشعوب العربية، فهامش الحرية المتاح الآن لم يكن منحة سلطوية بقدر ما كان نتيجة طبيعية لنضال الأمة عبر أجيالها وضريبة شهدائها الذين بذلوا دماءهم من أجل صحوة الجماهير والبحث عن غد أفضل تتبلور فيه هوية الأمة الحقيقية ومرجعيتها الإسلامية الوسطية المعتدلة. لذلك كانت الفكرة المسيطرة على هذه المراجعات هى ضرورة التلاحم مع الجماهير والتواصل مع النخب الثقافية والفكرية فى المجتمع من أجل دعم الفكرة الإسلامية وتجليتها لتكون واضحة لا لبس فيها ولا غموض وأن يكون ذلك السعى مجردا فى ذاته مكملا لكل الجهود الأخرى التى تبذلها هيئات أو تجمعات أو جماعات إسلامية، المهم أن تتكامل الجهود ولا يصادر كل فريق على وسيلة الآخر وآلياته لكن المطروح إيجاد آليات مشتركة تتحرك من خلالها فصائل الحركة الإسلامية فتكون معا قوة ضغط مهمة فى المجتمع لا تستطيع معها أى دوائر شرقية كانت أو غربية أن تدعم فكرتها باستئصال الإسلاميين. وهنا يلزم أن نشير إلى ضرورة تطوير مكونات وزيادة جرعات فكرة قبول الآخر والتباعد من ثم شيئا فشيئا عن احتكار الحديث باسم الإسلام أو الشعور بصحة وسيادة المفهوم الذى تتبناه كل مجموعة أو مؤسسة أو منظمة أو جماعة من التى تعمل فى حقل الدعوة الإسلامية أو التى تعتز بمرجعيتها الإسلامية، فلا شك أن البون شاسع فعلا بين الإسلام العظيم واعتناق أبنائه له وصحة هذا الانتساب وبين اختلاف مفاهيمهم له وتأويلاتهم حوله. وهنا لابد أن نستصحب حقيقة مرونة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، وكما قال علماء الأصول التشريع لله ابتداء وللبشر ابتناء، فهناك قواعد وأحكام وضوابط وضعها الإسلام ثابتة لا تتغير ينبغى التقيد بها وعدم الاجتهاد فى سبيل تنفيذها تلك هى العبادات والعقيدة وهناك مساحات شاسعة تتعلق بحاجات الناس واختياراتهم تلك التى تتغير بتغير الزمان والمكان جعل الله الشأن فيها لأصحابها من البشر الذين يتغيرون وتتغير احتياجاتهم وأفهامهم وهنا تكمن مرونة هذا الدين العظيم، وهنا ينبغى أن نقبل فكرة تغير المفاهيم ولا ينبغى التمسك بالفهم الحصرى له ولكل تفصيلاته ووسائله وآلياته. لا بد أن نعترف بارتكاب الحركة الإسلامية المعاصرة أخطاء قاتلة فى هذا الصدد منذ تنامت فى أواسط السبعينيات مع نشوء تيار الصحوة فى الجامعات المصرية، ولا أريد أن أحمل الذين قادوا تلك الصحوة كل أسباب التعصب وإقصاء الآخر فمن المؤكد أن أسبابا مختلفة قد لا يكون هنا المكان المناسب لطرحها جملة واحدة، ولكن خصوصية الموضوع مع ضيق المساحة هى التى دفعتنا للإشارة هنا والتفصيل لاحقا. فقد ثار لغط شديد بحقيقة نشأة الجماعة الإسلامية الطلابية فى جامعات مصر فى السبعينيات ودور الرئيس الراحل أنور السادات أو رجله القوى محمد عثمان إسماعيل رحمه الله آنذاك بهذه النشأة، ولقد تناول أخونا الفاضل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فك الله أسره وفرج كربه شيئا من هذه المعلومات ورد عليها فى مذكراته التى نشرها مؤخرا وهى من الأهمية بمكان باعتبار الرجل من شهود المرحلة المهمين وقتها، والذى نريد اجتزاءه فيما يتعلق بالتعصب أو التشدد وإقصاء الآخر هو ممارسات الحركة أو رموزها داخل الجامعة فى تلك الآونة والتى وصلت لدرجة نفى الآخر ومنعه قسرا من ممارسة حقه فى التعبير طبعا انطلاقا من واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. وللحديث بقية.