سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«المصرى اليوم» تواصل كشف بؤر تلوث مياه الرى فى وسط الدلتا: رى 350 ألف فدان فى الغربية وكفر الشيخ ب«الصرف الصناعى والصحى» وتقارير علمية تتهم «كتشنر» بنشر «السرطان والتيفود»
تواصل «المصرى اليوم» حملتها للكشف عن تلوث مياه الرى بالصرف الصحى والصناعى غير المعالج فى مساحات كبيرة بمحافظتى الغربيةوكفر الشيخ، مما يهدد – حسب خبراء زراعة - بسوء نوعية المحاصيل المنتجة من خلال هذه النوعية «الرديئة» من المياه، التى تشكل خطورة شديدة على الصحة العامة من ناحية، وتنشر الأمراض المزمنة بين ملايين المواطنين فى هذه المناطق. ورغم أن الوزارات المعنية تعلم هذه المشكلة، وتؤكد دائماً أنها غير مسؤولة عن هذه المخالفات، وتلقى باللوم على المزارعين، إلا أن عددا من خبراء مركز البحوث الزراعية أكدوا أن هؤلاء ضحايا ضعف الأجهزة الرقابية بالدولة. «المصرى اليوم» رصدت قيام المزارعين فى مدن وقرى «المحلة الكبرى ونمرة البصل، وكفر دخميس، والكراكات، والحامول، وأبوسكين، وغرب تيرة، ثم الأبعدية، وبلطيم» بمحافظتى الغربيةوكفر الشيخ، بزراعة أراضيهم بمحاصيل الأرز والذرة والقطن، اعتماداً على المياه الملوثة بالصرف الصحى والصناعى فى مصرف «كتشنر»، ومصرف نمرة 8، الذى يعد المصدر الرئيسى للتلوث، وسط اتهامات لوزارات الرى والزراعة والإسكان والبيئة ب«غض الطرف» - وفق ما أكده خبراء زراعيون - وأنه لا يوجد مفر أمام المزارعين سوى الرى بمياه الصرف الصحى والصناعى. مصرف «كتشنر»، البالغ طوله 68.3 كم، ويبدأ من زمام محافظة الغربية بطول 22.3 كم، ويمر بمحافظة كفر الشيخ بطول 46 كم، حتى المصب فى البحر المتوسط، يجلب جميع الملوثات الصناعية فى مصانع المحلة الكبرى البالغ عددها 28 مصنعا للقطاع الخاص و4 مصانع قطاع عام، وتشمل هذه البؤر شركات «مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، والنصر للغزل والنسيج والصباغة بالمحلة، وطنطا للكتان والصابون بالمحلة، والإسكندرية للزيوت والصابون، بفرعيها فى مدينتى كفر الشيخ وكفر الزيات». وطبقا لخطة الدولة فى مجال الموارد المائية، فمن المفترض أن يتم استخدام مياه بحر «تيرة» فى زراعة هذه المناطق، لكن أزمة نقص المياه انعكست على لجوء المزارعين إلى استخدام مياه الصرف الزراعى والصحى لرى هذه المساحات المنزرعة بمحصولى الأرز والذرة وباقى محاصيل الحبوب والأعلاف. ورصدت «المصرى اليوم» خلال جولتها بمحافظتى الغربيةوكفر الشيخ قيام محطات تابعة لوزارة الرى برفع مياه الصرف الصحى والصناعى غير المعالج من مصرف «كتشنر» إلى باقى الترع داخل محافظتى الغربيةوكفر الشيخ، تمهيداً لاستخدامها فى الزراعات الغذائية. وأكد الدكتور عبد العظيم طنطاوى، الخبير الدولى فى الأرز، الرئيس الأسبق لمركز البحوث الزراعية، أنه بناء على تحليل مياه مصرف كتشنر من خلال البحوث التى تم إجراؤها فى مركز البحوث الزراعية للعناصر الثقيلة الضارة بالصحة العامة، وجد أن تركيز عنصر المنجنيز 132 جزءاً فى المليون، والزنك 151 جزء فى المليون، والكادميوم 10 أجزاء فى المليون بدلا من 0.01، والنيكل 33 جزءاً فى المليون بدلا من 2، والرصاص 45 جزءاً فى المليون بدلا من 5، ونسبة الملوحة 11328 جزءاً فى المليون بدلا من المعدل الطبيعى المسموح به دولياً، وهو ما يتراوح بين 115 و480 جزءاً فى المليون. وأشارت مصادر رسمية فى مركز البحوث الزراعية إلى أن ارتفاع معدلات التلوث بالعناصر الثقيلة فى الأسماك فى مناطق التلوث بمحافظتى الغربيةوكفر الشيخ والمناطق المجاورة، يؤدى إلى إصابة المستهلكين بمرضى «ضمور العضلات وهشاشة العظام»، بالإضافة إلى إصابة الإنسان ب«شلل الأطراف وغيبوبة» بسبب ارتفاع معدلات تلوث المياه بمادة الرصاص لتأثيرها الكبير على الجهاز العصبى المركزى. وأوضحت المصادر أن ارتفاع نسبة تلوث المياه بالكادميوم يسبب الإصابة بأمراض ارتفاع ضغط الدم وتضخم القلب وفقر الدم، والإصابة بأنواع الروماتيزم المختلفة، واضطرابات فى الدورة الدموية، وضمور فى الكلى وضعف كفاءة الجهاز المناعى، والإصابة بمرض سرطان الرئة والفشل الكبدى والكلوى، إضافة إلى الإصابة بأمراض السرطان نتيجة زيادة معدلات تلوث المياه بالمنجنيز والنحاس بنسب تتعدى المعدلات الدولية المعترف بها فى مصر. وشدد طنطاوى على أن هذه النتائج توضح أن نسب العناصر الثقيلة فى مصرف «كتشنر»، التى يتم رى مساحات تصل لأكثر من 350 ألف فدان بها، تمثل أضعاف الحدود المسموح بها دولياً، مما يؤدى إلى وجود آثار متبقيات العناصر الثقيلة فى المحاصيل المنتجة فى هذه المناطق، مما يهدد الصحة العامة وينشر أمراض الكبد والسرطان والفشل الكلوى. وأكد أنه يمكن استخدام مياه الصرف الزراعى فى زراعات الأرز دون أن يسبب أضراراً، بشرط ترشيد استخدام المبيدات والأسمدة، لكن المشكلة تكمن فى أن مياه الصرف الزراعى تكون مختلطة بمياه الصرف الصحى والصناعى فى مصرف كتشنر، بنسبة أقل من المعدلات المتعارف عليها علمياً، مما يؤدى إلى ارتفاع العناصر الثقيلة فى مياه الرى، بالإضافة إلى أن إعادة استخدام هذه المياه أكثر من مرة بسبب نقص مياه الرى النيلى يرفع من معدلات التلوث بهذه المناطق، ويشكل تهديداً للصحة العامة والبيئة. وأشار طنطاوى إلى أن الأراضى فى شمال الدلتا يتم تصنيفها ضمن الأراضى من الدرجة الثالثة والمتأثرة بالملوحة التى تنعكس على التربة وزيادة تدهورها مما ينعكس على انخفاض معدلات الإنتاجية المحصولية بهذه المناطق، مطالبا بضرورة توصيل مياه بحر تيرة لرى الأراضى فى هذه المناطق لتحسين جودة التربة والحد من معدلات التلوث من خلال تفعيل الدور الرقابى لوزارة الإسكان. وقال: «يتم إهدار 12 مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعى فى البحر المتوسط تكفى لزراعة مليونى فدان أرز، بدلاً من استخدام مياه الصرف الصحى والصناعى»، مشدداً على أهمية إقامة محطات خلط مياه الصرف الزراعى مع مياه النيل، مع إنشاء محطات صرف لعلاج مشكلة ارتفاع منسوب الماء الأرضى، بالإضافة إلى إقامة محطات رفع لضمان عدالة توزيع المياه على شبكات الرى ووقف ضخ الصرف الصحى والصناعى غير المعالج إلى المصارف الزراعية. من جانبه قال خالد صالح، من مزارعى كفر الشيخ: «إن مصرف الغربية الرئيسى، المعروف بمصرف كتشنر، يستخدمه فلاحو منطقة غرب الحفيرة، وبها مساحة 11 ألف فدان أرز، وهى مساحة بدأت تتلف بسبب استخدام مياه الصرف الصحى والصناعى، بالإضافة إلى استزراع مساحة 4 آلاف فدان بمياه الصرف غير المعالج، واعادة استخدامه للمرة الثانية مما يزيد من معدلات التلوث فى الأسماك، ويشكل خطورة على الصحة العامة فى حالة استهلاكها»، مشيرا إلى أن هذه المنطقة بها 6 جمعيات للاستصلاح الزراعى منها جمعيات السلام والعزيمة والأمل والشراقوة والطرفاية. وأكد أن وزارة الرى لجأت إلى أسلوب «سيئ» للتعامل مع الحائزين لأراض فى هذه المنطقة، عند قيامهم بالاستزراع السمكى، وذلك بفرض رسوم مقابل استخدام مياه الصرف الصحى والصناعى غير المعالج تصل – حسب قوله - إلى 2500 جنيه عن كل فدان بالمخالفة لجميع قرارات وزير الرى دون النظر إلى نوعية المياه المستخدمة، وهو ما يعنى أن المخالفة تقع على عاتق وزارة الرى. وقال: «إن منطقة الإصلاح، ويصل زمامها الزراعى إلى أكثر من 14 ألف فدان، وتنقسم إلى عدد من جمعيات الاستصلاح، تتغذى جميع أراضيها من مياه مصرف الغربية الرئيسى، التى يغلب عليها الصرف الصحى والصناعى دون معالجة، وتنتمى إلى نوعية المياه الملوثة الخطرة، ورغم ذلك يتم استخدامها فى زراعة المحاصيل التقليدية مثل الأرز والذرة والقطن وبعض محاصيل الخضر». وأشار إلى أن منطقة المنصور فى محافظة كفر الشيخ، التى يصل زمامها الزراعى إلى 18 ألف فدان، وتتبعها جمعيات مصطفى كامل وكوم الدهب والنصر والمجد والتعمير والعاشر من رمضان والأمل الجديد والإيمان والتأميم وكوم التين، تعتمد فى رى أراضيها على المياه الملوثة بمياه الصرف الصحى والصناعى غير المعالج، والواردة من مصرف الغربية الرئيسى، موضحاً أن وزارة الرى قامت بردم منابع الترع وأصبح الاعتماد على فتحات مقننة من مصرف الغربية الرئيسى «كتشنر». من جانبه اتهم محمد على، مهندس زراعى، الحكومة بالمسؤولية عن انتشار الأمراض الخطيرة مثل السرطان والتيفود والسل والفشل الكلوى والكبدى، بسبب «إهمالها» جودة نوعية مياه الرى للمزارعين، مؤكداً أن الدولة «تتعمد إهمال الجانب الصحى للمواطنين، وتسعى لاستمرار مسلسل الأمراض»، بسبب السياسات المائية الخاصة وضعف الأجهزة الرقابية للدولة لمواجهة إهمال القطاع الزراعى.