تستعد «فتح» للدخول فى دوامة جديدة من الانقسام الحركى، المرشح للاشتعال، إذا ما صعد الخاسرون احتجاجاتهم، وما لم ينح الفائزون فى اللجنة المركزية - بتنوع أطيافهم - خلافاتهم جانبا، إذ بدأت ملامح هذا الانقسام تتبلور، قبل فض المؤتمر، فى استقالة اللجنة القيادية ب «الإجماع» فى غزة، احتجاجا على النتائج، متهمين فتحاويى الضفة بتعمد إقصاء ناخبيهم وتزوير نتائجهم، خاصة أن عملية التصويت لفتحاويى القطاع (89 ناخبا معتمدا) تمت عبر الهاتف، وهو ما حرم أصواتهم من عنصر الشفافية والسرية، ومكن مناوئيهم فى الضفة من «حجب» أصواتهم، بعد معرفة توجهاتها، ومن ثم التلاعب فى نتائج الاقتراع ككل. ولا شك أن مفاجأة تقدم الوجوه الشابة على حساب «الحرس القديم» سيطرت على الساعات الأولى، وربما تمتد للأيام الأولى من إعلان النتائج، ولحين الانتهاء من نتائج «المجلس الثورى»، حتى تتضح الصورة كاملة لهيئة أكبر سلطتين داخل الحركة، بما سيحدد مستقبلها السياسى وفقا لآلية إصدار قراراتها العليا والمصادقة عليها، غير أن ما ذهب إليه ناصر القدوة، فى نشوة الانتصار، من أن شعار هذه الانتخابات كان «التغيير»، ليس بالضرورة توصيفا دقيقا للمرحلة المقبلة، حتى مع تعددية ألوان الطيف السياسى داخل أعلى سلطة تنفيذية فى الحركة، والتى يتفاخر بها الفائزون. فتلك التعددية تحديدا هى ما يعزز مخاوف الانقسام الحركى فى «فتح»، التى تحول انقسامها الجغرافى مؤخرا بين قيادات الخارج (الشتات) والداخل (الأراضى المحتلة فى غزة والضفة) إلى صراع سياسى، لاسيما بعد قنبلة القدومى، وما تلاها من توتر اضطره إلى الامتناع عن الترشح وكأنه يعتزل العمل السياسى رسميا به، بشكل غير معلن، بعد سنوات من القطيعة الفعلية والخلافات الحادة مع أبو مازن. الجديد أن فتحاويى غزة فيما يبدون الآن بدأوا يندرجون تحت مسمى فلسطينيى الخارج أيضا، وهو ما أسهمت «حماس» فى تكريسه، بمنعها إخراجهم من القطاع، فبالرغم من اتساع دائرة الطيف السياسى داخل «المركزية»، بمن فيها من أبناء غزة: القدوة ودحلان، اتسعت هوة الخلافات بين الفريقين، مع شعور فتحاويى القطاع بأنه تم تهميشهم فى تلك الانتخابات المحورية. يضاف إلى تلك التقسيمة، تعدد التيارات فى «المركزية» من تيار أبومازن، وعرفات، مجسدا فى القدوة والرجوب والطيراوى، فضلا عن تيارى البرغوثى، ودحلان، مع التذكير بأن ما نتحدث عنه ليس حكومة وحدة وطنية، أو برلمانا وطنيا ينتظر منه أن يضم جميع الأطياف، وإنما نتحدث عن فصيل سياسى واحد، المفترض بالنهاية أن يشكل أحد الاتجاهات السياسية على الساحة الفلسطينية جنبا إلى جنب مع «حماس» و»الجهاد» وغيرهما من الفصائل، وهو ما يقودنا أخيرا إلى الأمر الثانى فى تفنيد مسألة «التغيير» التى يتحدث عنها الكثيرون، إذ يظل أبو مازن الفائز الأكبر فى تلك الانتخابات، التى عززت عمليا وضعه السياسى، فى حين أن «فتح» ومن بعدها «القضية» برمتها هى أغلب الظن الخاسر الأكبر لتلك التعددية غير الصحية.