جاءت نتائج الانتخابات لحركة فتح فى مؤتمرها السادس صادمة للجيل الأول والمؤسس للحركة، والذى منى بهزيمة ساحقة، إذ فاز أربعة منهم فقط فى عضوية اللجنة المركزية للحركة مقابل 14 عضواً من الجيلين الثانى والثالث. فالخلطة الفتحاوية الفائزة للمركزية - كما يحلو للبعض أن يطلق عليها - غيرت فيزياء الخلطة السابقة لصالح كيمياء خلطة جديدة، فأعطت للتاريخيين والأمنيين والإداريين والدبلوماسيين حقوقهم التمثيلية، ومن هنا يمكننا القول إن اللجنة المركزية لحركة فتح فتحت آفاقاً جديدة لقيادة تعددية سياسية وفكرية وجغرافية، «فالانقلاب الديمقراطى الأبيض» داخل الحركة جدد الأمل فى أن ترقى بذاتها على مستوى الحدث وما ينتظرها من مهام جلل، إذ يرى المراقبون أن الحركة بعد المؤتمر وبتوليفتها الجديدة، ستكون أكثر قدرة على محاكاة الواقع والتعامل مع حركة حماس، واستئناف الحوار معها بوضوح أكثر، وموقف أقوى، ونَفَس أطول، كما ستذهب السلطة إلى مفاوضات الحل السياسى من موقع أفضل، إذ ستكون قادرة على المناورة وتحريك الأوراق الرئيسية للحل النهائى، ومن هنا، جاء انتصار الحركة على ذاتها وعلى كل الذين راهنوا على تصدعها، لقد أصبحت هيئات فتح الجديدة بعد الانتخابات، ملزمة بمعايير الحركة فى كل مستوياتها، لأن غياب المعايير أو تغييبها تحول إلى سيف مسلط على الهيئات قبل أن يسلط على القواعد والكادرات وهيئات فتح لم يعد بمقدورها الرهان على هذه العشوائية التنظيمية فى تكريس مواقعها والتشبث بمراكزها وامتيازاتها، وبات مطلوباً من القيادة الجديدة معالجة فشل السنوات العجاف الماضية التى هوت بتاريخ الحركة وهيبتها فى جميع المستويات، ويأتى على رأسها الفشل الذريع الذى منيت به فى الانتخابات التشريعية والانتخابات البلدية، وصولاً إلى الانقلاب الذى نفذته حركة حماس فى غزة وسيطرتها على مقدراته، مما وضع الوطن الفلسطينى فى حالة انقسام جغرافى وسياسى بين الضفة والقطاع، ومعالجة هذا الفشل تأتى أولاً بإعطاء الأولوية لإنهاء حالة الانقسام والتحرك المدروس نحو الانتخابات القادمة وإعادة ترتيب الأوضاع فى منظمة التحرير الفلسطينية مع كل الفصائل والأحزاب، بالإضافة إلى متابعة وبناء مؤسسات الدولة، هذه الأولويات الثقيلة فى المرحلة القادمة جعلت المراقبين يؤكدون أن فتح عاقبت قيادتها فى الانتخابات على فشلها فى إدارة السلطة وفى مواجهة حركة حماس، سواء فى الانتخابات التشريعية الماضية أو على الأرض لدى سيطرة الأخيرة على قطاع غزة بالقوة المسلحة عام 2007، ويبدو أن قيادة الحركة الجديدة التى أفرزتها انتخابات المؤتمر السادس لم تضيع الوقت، إذ سرعان ما ستطلب تغيير حكومة سلام فياض بحكومة يقودها أحد أعضاء اللجنة المركزية لفتح أو من تختاره، وبحسب مصادر داخل الحركة، فإن فتح التى أصبحت لديها مركزية قوية الآن لن تسمح بأن تبقى خارج اللعبة السياسية وستمسك بزمام المبادرة، كما أن قيادة الحركة ستحسم أولاً شكل العلاقة مع حركة حماس، فإذا ما تم الاتفاق على انتخابات رئاسية وتشريعية بداية العام المقبل، فلن تسعى فتح نحو التغيير، وإذا أخفقت فإنها ستشكل حكومة فى الضفة. ورغم أن غالبية وزراء حكومة فياض ينتمون إلى فتح وبعضهم نجح فى اللجنة المركزية فإن قادتها يقولون إن هؤلاء الوزراء يمثلون أنفسهم لاعتقادهم بأن فتح مازالت تتعرض لمحاولات إقصاء على كل المستويات، وأنها مازالت تجد نفسها غير معنية بحكومة سلام فياض. غير أن تغييراً حكومياً بالشكل الذى تريده فتح قد لا يبدو سهلاً، إذ يحظى فياض بدعم غربى وعربى، وهو الذى أنقذ السلطة من حافة الإفلاس، وكان ضمانة لاستمرار تدفق الأموال على خزينتها وأعاد ترتيب وتقوية مؤسسات السلطة المدنية والعسكرية على حد سواء. وفى خطة حركة فتح أيضاً الاتجاه نحو الاستقلال عن السلطة، لذلك قررت دفع رواتب أعضاء مركزيتها حتى يتفرغوا لنشاطاتها، لكن الحركة تريد أن تبقى على قيادة السلطة بيدها أى الرئاسة والحكومة، مع العمل على الفصل بين مؤسسات الطرفين. لذا ترى الحركة والقيادة المركزية المنتخبة ضرورة تشكيل حكومة جديدة بعد المؤتمر، وهى مهمة منوطة بالمركزية، وهى ترى ضرورة أن يقود أحد أعضاء المركزية هذه الحكومة ولديهم المبررات بأن هناك من أعضاء اللجنة المركزية أو من خارجها من يحظى أيضاً بقبول دولى، ناهيك عن وجود الرئيس عباس فى منصبه والذى سيعطى الشرعية لأى تغيير!!