من الواضح أن الزعماء العرب لم يأخذوا العبارة التى قالها أوباما فى خطابه فى القاهرة على محمل الجد، فهو حذرهم وقتها من أن أمريكا «سوف تقول فى العلن ما تقوله سرا للإسرائيليين والفلسطينيين والعرب».. لم ينتبه العرب إلى معنى ما قاله أوباما وراحوا يمارسون اللعبة القديمة نفسها التى يقولون فيها للأمريكان سرا ما لا يقولونه لشعوبهم فى العلن، لكن المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط جورج ميتشل فعل بالضبط ما كان أوباما قد وعد به فى القاهرة، ففى مقابلة صحفية، الأسبوع الماضى، وبعد تصريحات عنترية كانت قد خرجت من عدة عواصم عربية، نفى ميتشل أن يكون العرب قد رفضوا مطلب إدارة أوباما بخصوص اتخاذ خطوات نحو التطبيع الفورى مع إسرائيل. وأضاف: «لقد حصلنا عموما على استجابات جيدة للغاية ورغبة فى التحرك» على هذا الصعيد. وقد ذكرت «نيويورك تايمز» لاحقا أن الخطوات التى طالبت بها أمريكا العرب تتراوح بين فتح مكاتب تجارية فى تل أبيب والسماح لشركة العال الإسرائيلية باستخدام المجال الجوى للدول العربية لاختصار مسافات رحلاتها إلى آسيا. وما قاله ميتشل يعنى أن العرب وافقوا على التطبيع مقابل وقف الاستيطان، أى أنهم حولوا المبادرة العربية من صيغة «الأرض مقابل السلام» إلى مجرد «وقف الاستيطان مقابل السلام»! بل أكثر من ذلك، وافقوا على التطبيع مقابل وقف للاستيطان لم يكن الأمريكيون والإسرائيليون قد اتفقوا على مضمونه بعد، فالقاصى والدانى يعرف أن هناك مفاوضات بين أمريكا وإسرائيل فى هذا الخصوص، ويتردد الحديث عن وقف «مؤقت» للاستيطان يريده الأمريكيون لمدة عام، بينما يريده الإسرائيليون لمدة ستة أشهر فقط، ويريد الإسرائيليون مقابل الموافقة على الوقف «المؤقت» للاستيطان الحصول على موافقة أمريكية باستكمال بناء 2500 وحدة سكنية «تم التعاقد على بنائها»، فضلا عن وعد أمريكى بالحصول على تطمينات باستكمال الاستيطان بعد الوقف المؤقت.. بعبارة أخرى، لم يقبل العرب فقط بتقليص المبادرة العربية من «الأرض مقابل السلام» إلى «وقف الاستيطان مقابل السلام»، وانما قبلوا ذلك حتى قبل أن يعرفوا شروط وقف الاستيطان تلك التى سيتفق عليها الإسرائيليون والأمريكيون! يعنى بالعربى الفصيح لم يوافق العرب على التطبيع مقابل الانسحاب من الأرض، ولا حتى على التطبيع مقابل إزالة المستوطنات التى بنيت على الأرض المحتلة بشكل غير قانونى، ولا هم حتى وافقوا على التطبيع مقابل وقف كامل للاستيطان وإنما وافقوا على التطبيع مقابل وقف «مؤقت» للاستيطان يستأنف بعده الإسرائيليون بالسلامة البناء على الأرض الفلسطينية! ولأن الزعماء العرب لا يطلعوننا على ما يدور خلف الأبواب المغلقة، فليس أمامنا سوى الاعتماد على المصادر الأمريكية، وتلك لم تقل أبدا إنهم مقابل كل ذلك طالبوا بأى شىء يتعلق بالحدود ولا القدس ولا عودة اللاجئين. وإذا كانت تلك هى طبيعة التفاعل العربى مع الإدارة الأمريكية خلال شهورها السبعة الأولى، فالمؤكد أنه يمثل تشجيعا لأوباما - البراجماتى حتى النخاع - على أن يطلب من العرب تنازلات إضافية فى مبادرته للشرق الأوسط المقرر إعلانها فى الخريف. فإزاء هذا الكرم العربى الطائى، يحق للأمريكان بل وللإسرائيليين أن يطلبوا «علنا برضه» ما يحلو لهم مما لذ وطاب بل ولهم أن يصروا أيضا على توصيل تلك الطلبات للمنازل.. مجانا!